نظم "مدونو تيرس" مؤخرا في مدينة ازويرات ندوة تحت عنوان : الإعلام الجديد بين سطوة التأثير وجدل المصداقية.
أنعش الندوة عدد من الصحفيين وأثراها نقاشا عدد من الحضور.
ازويرات ميديا تنشر مشاركة مدير موقع ازويرات ميديا سيد احمد ولد بوبكر سيره في هذه الندوة.
المقدمة
الإعلام هو النشاط المتمثل في جمع ومعالجة والتعليق على أحداث لإبلاغها إلى جمهور من المتابعين (المشاهدين أو المستمعين أو القراء). وتحترم الصحافة أخلاقيات معينة تدعى ديونتولوجيا الإعلام التي من بينها حماية المصادر الإخبارية وحق الجمهور في الحصول على الأخبار واحترام المتقبل واحترام الحياة الخاصة للناس، وضمان حقوق المتعاونين والمصورين والمصممين والمخرجين على اعتبار أنهم جزء لا يتجزأ من الإعلام. وإذا كانت الصحافة تعني القنوات التلفزية والإذاعات والجرائد الورقية فإنها باتت تعني أيضا الوسائل الإعلامية التي أفرزتها ثورة الانترنيت كالمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهما الوسيلتان اللتان سنركز عليهما هذا البحث. فما هي الصحافة الألكترونية؟ وما هي مواقع التواصل الاجتماعي؟..
المواقع الألكترونية
الصحافة الألكترونية عبارة عن جرائد تبث أو تنشر عبر شبكة الانترنيت وتهتم بالأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والرياضية. وأغلبية الصحافة الألكترونية مجاني، غير أن بعضها يطلب اشتراكا من أجل الاطلاع على التفاصيل. وكثير من الصحافة الألكترونية تعيش بالإعلانات والدعم والحكومي. وقد ظهر هذا النوع من الصحافة في تسعينات القرن الماضي مع تطور الانترنيت وتسارعت وتيرته ابتداء من سنة 2000 مع تطور وسائل التكنولوجي كالآ دي أس أل.
وسائل التواصل الاجتماعي
أما وسائل التواصل الاجتماعي فهي فضاءات تجمع الأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء. إنها رابطة بين الأشخاص الحقيقيين أو الهيئات والتنظيمات والروابط.
ويحيل التواصل الاجتماعي في الغالب إلى التلاقي بين أشخاص بما يخول المبادلات حول الفحوى سواء تعلق الأمر بالمعلومات أو الصور أو التعاليق أو الفيديوهات.
وتضم هذه الوسائل المدونات وتطبيقات الفايسبوك واتويتر واليوتيب والواتساب وغيرها.
والمدونون هم المشتغلون عموما بالفايسبوك وأصحاب المدونات (ابلوك) وهي نوع من المواقع الألكترونية تستخدم للنشر الدوري المنتظم للمقالات الشخصية والآراء الخاصة المتعلقة بخبر أو حدث أو موضوع معين. وقدر عدد المدونات التي تظهر في العالم بـ " 3 ملايين كل شهر بعضها يبقى ناشطا لفترات طويلة وبعضها يختفي لتظهر أخرى وهلم جرا. وقليلة هي المدونات التي تظل تعمل بانتظام لفترات زمنية طويلة جدا.
لكن هل من مقارنة موضوعية بين المواقع الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي؟..
مقارنات
تعتبر المواقع الإخبارية، حسب الدارسين، أكثر مصداقية من وسائل التواصل (المدونات، فايسبوك، اتويتر، واتساب...) لأنها تعمل وفق نفس الشروط التي تعمل بها الصحافة الورقية وباقي وسائل الإعلام، وبالتالي فهي تنشد المهنية التي تحفظ لها مكانتها لدى القراء. أما وسائل التواصل الاجتماعي فتعتبر أوسع انتشارا.
والحقيقة أنه لا يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تلغي دور المواقع الإخبارية، فعندما ظهر الراديو (الإذاعة) لم يلغ دور الصحف التي ظهرت قبله، وعندما ظهر التلفزيون لم يلغ دور الراديو الذي ظهر قبله، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي لن تلغي دور التلفزيون والإذاعة والصحف الورقية أو الألكترونية. إنها أدوار يكمل بعضها بعضا.
تعد مواقع التواصل الاجتماعي جزءا من الإعلام، وإن كان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي أكبر على المجتمعات من تأثير وسائل الإعلام التقليدي بسبب سرعته وحريته المطلقة وعدم انضباطه وخضوعه لإملاءات وقوانين وشروط معينة.
والحقيقة أن القائمين على وسائل التواصل الاجتماعي لا يدركون الضوابط وسياسات العمل الإعلامي لذلك يصبحون ضحية حريتهم المفرطة وعدم رضوخهم لأخلاقيات المهنة.
توفر وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من وجهات النظر عكسا للمواقع الألكترونية ووسائل الإعلام التقليدي عموما.
ويقول بعض الدارسين ان عفوية وسائل التواصل الاجتماعي تجعل أحداثها وصورها تعكس واقع الحياة اليومية أكثر من وسائل الإعلام التقليدي التي يقوم أصحابها بالكثير من الرتوشات قبل نشر المحتوى.
ومن مميزات مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك الكثير من المناطق التي لم يتسن لوسائل الإعلام التقليدي أن يكون لها فيها مراسلون، فكان الاعتماد فيها على المدونات المحلية والفايسبوك والواتساب.
وبديهي أن وسائل الإعلام المحلية والعالمية مسيسة أكثر من وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن محتوى الكثير منها يشفر مواقف ورسائل خاصة وميولا سياسية يحاول فرضها على المتلقي، وإن كان الكثير منها ينحو إلى المهنية والمصداقية في ما ينشر لذلك يلجأ إليه الكثير من الناس بحثا عن الحقيقة. وبالتالي فعلى الرغم من الكم الهائل من المعلومات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها لا تتغلب على وسائل الإعلام من حيث المصداقية لأن العاملين بها أكثر خبرة، فالكثير من الصفحات والأشخاص على مواقع التواصل لا يبحثون عن الحقيقة ولا المصداقية، بل عن المادة اللافتة للنظر والمثيرة فقط.
هناك من يقرأون ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم لا يصدقونه حتى يروه أو يسمعوه في وسائل الإعلام سواء كانت مواقع إخبارية ألكترونية أو قنوات أو إذاعات أو جرائد ورقية.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع اللأكترونية فضاء لحرية التعبير لدى ملايين البشر. فهي كلها في الحقيقة وسائل إعلام. هذه الوسائط التي يستعملها ملايين القراء المختلفين لا يمكن أن تكون خارج النطاق الصحفي. إنها نوع جديد من الإعلام.
وسائل التواصل تعتبر نوعا من إنتاج الآراء والوثائق والمعلومات التي تحتاجها تارة المواقع التي تبحث عن المصادر وعن الأخبار العاجلة وعن الإثارة.
6% من أخبار موقع نيويورك تاميز تأتي من مواقع التواصل الاجتماعي حسب دراسة أجريت سنة 2010، ويقول مدير صحيفة الغارديان في مقابلة أجراها سنة 2012 أن أكثر من 30% من مشاهدات صحيفته تأتي من فايسبوك.
الكثير من الصحفيين أصحاب الجرائد الورقية أو الألكترونية يلجأون إلى فايسبوك بحثا عن الشهرة وعن خلق بصمة خاصة بهم. فالصحيفة قد لا تقبل وقد لا تتسع وقد لا يتماشى خطها مع بعض اجتهادات وخيارات وآراء العاملين بها، وبالتالي يكون لجوء هؤلاء إلى وسائل التواصل مبررا. فمثلا التعليق الذي يأخذ طابع المزحة أو التهكم أو التأييد المفرط لا توجد له مساحة دائمة على صفحات المواقع الإخبارية والجرائد الورقية، وبالتالي يكون على صاحبه البحث عن فضاء أكثر حرية في وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك أيضا عامل السرعة، فمثلا لا توجد وسيلة تقنية أسرع اليوم من اتويتر، وبالتالي يختاره الصحفيون عادة للإعلان عن خبر كبير أو عظيم أو فظيع قبل تفصيله على مواقعهم الألكترونية أو جرائدهم الورقية.
لا ننسى الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في ثورتي تونس ومصر، كما لا ننسى أن الرئيس التركي طيب أردوغان أجرى مقابلة مع صحفية عبر الوسائط الاجتماعية ليؤكد أنه ما يزال على قيد الحياة وأنه لم يؤسر وأنه يقاوم من أجل إفشال الانقلاب.
لقد فشلت كل وسائل الإعلام التقليدي في إجراء تلك المقابلة الحاسمة، وإن كانت، هي أيضا، تحتاج إلى وسيلة إعلام لنشرها كما تم من خلال إحدى القنوات التلفزية.
وعلينا أن نتذكر أن المواقع الإخبارية تجمع تارة الشهادات والصور عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي لتزيد من إقناعية مادتها.
وسائل التواصل الاجتماعي أعطت للمتقبل القارئ قيمة لم تكن لديه: بينما كان مجرد مستهلك في عهد وسائل الإعلام التقليدي، وحتى في ظل المواقع الإخبارية الألكترونية، أصبح بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي منتجا إخباريا كما أصبح ناقدا وفاعلا في الميدان الإخباري: يعطي الإخبار بسرعة ويتلقاها بسرعة ويعلق عليها كما يشاء ويدعمها بالصور والشهادات والوثائق حسب استطاعته. وتقول بعض الدراسات ان 20% من المدونين أصبح لهم نفس تأثير الإعلام التقليدي.
وعلى كل حال، تظل مواقع التواصل الاجتماعي حليفا ضروريا للمواقع الإخبارية الألكترونية.