رحلة البحث عن الثراء في اكليب اندور

خميس, 2019/05/23 - 3:01م

بعد جولات من الكر والفر في رحلات مطاردة بين عناصر من الجيش الوطني كلفوا بتأمين الحدود الموريتانية والدفاع عن حوزتها الترابية ومنقبين وطنيين و أجانب يجوبون مناطق محظورة بحثا عن ما يسدون به رمقهم آو ثراء يضمنون به مستقبل حياتهم وحياة أسرهم، جاءت اللحظة التاريخية، التي غيرت مجرى الأحداث في مجال التنقيب في المنطقة، لحظة لقاء مكتب المنقبين، بمرشح الحزب الحاكم في ازويرات آنذاك، رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه، الصديق الشخصي للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، حيث التمس منه المنقبون التدخل لدى الجهات المعنية من أجل فتح المجال للتنقيب أمام آلاف الموريتانيين في اكليب اندور، داخل المنطقة العسكرية، وهو اللقاء، الذي كان بداية لتحول جذري في ملف زاوج بين المحافظة على الظروف الأمنية في المنطقة، و فتح فرص للعمل أمام آلاف المنقبين الموريتانيين، الباحثين عن لقمة عيش، تؤسس لحياة أفضل للمنقب وأسرته.

وهكذا، جاء القرار التاريخي بفتح جزء من المنطقة العسكرية المحظورة أمام المنقبين، في منطقة تعرف باكليب اندور، خلال شهر نفمبر من السنة الماضية 2018، وهو القرار الذي كانت له أهميته الاقتصادية الكبيرة، ليس فقط على مستوى المنقبين، وإنما أيضا على مستوى خزائن الدولة.

وهكذا، مكنت عمليات التنقيب منذ انطلاقها في شهر دجمبر الماضي، البنك المركزي من الحصول على أكثر من نصف طن من الذهب الخالص، خلال فترة لم تتجاوز 5 أشهر بقيمة بلغت حوالي 6 مليارات و 200 ألف من الأوقية معززة احتياطات بنكنا المركزي من الذهب في حين حصل عدد كبير من المنقبين على ثروات معتبرة حولت حياتهم إلى الأفضل و عجز آخرون عن العثور على الذهب وعادوا أدراجهم.

 

الخدمات الأساسية التي تتوفر عليها المنطقة

الخدمات العمومية

مع افتتاح المنطقة، التي كان يطارد فيها الجيش المهربين، وفلول الإرهابيين، مستعينا باتصالاتهم الهاتفية، عبر هواتف الثريا، في رحلات كر وفر، جاء دخول شركات الاتصال الوطنية للمنطقة ممهدا لمرحلة جديدة، وفر فيها للمنقب اتصالا دائما، عبر شبكات الهاتف التقال، التي مكنت من ربط المنقب بذويه وساهمت في الرفع من منتوجه الاقتصادي فيما عمدت السلطات إلى إنشاء فرقة للدرك خاصة بتسوية المشاكل المتعلقة بالمنقبين. 

ومن داخل المخيم الإداري وسط المنطقة، حيث مقر فرقة المعادن، تنتصب أكبر خيمة في المخيم تحتضن النقطة الصحية المفتتحة في المنطقة بتعاون وتنسيق تام بين الإدارة الجهوية للعمل الصحي و مكتب اتحادية المنقبين تحرص على تقديم العلاجات الضرورية لهم يعمل بها طبيبان الأول ممرض من القطاع العام والثاني ممرض عسكري يسهران على توفير الخدمات الأساسية للمرضى على مدار الْيوم و يرافقان الحالات الحرجة إلى مدينة ازويرات.

وتعمل السلطات على توفير الماء الصالح للشرب وبتعليمات من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز إثر طلب من المنقبين خلال زيارته للمنطقة قامت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم بحملة للتنقيب عن المياه تكللت بالعثور على نقطتين مائيتين في المنطقة شيد عليهما بئران ارتوازيان انتهى العمل على تركيب مصنعين عليهما للتحلية من أجل ضمان تغذية مستمرة للمنقبين بالمياه الصالحة للشرب من جهة وتخفيف الضغط على مدينة ازويرات من جهة أخرى.

بينما يظل الجيش صمام الأمان في المنطقة والموجه والمرشد الذي يرجع له الفضل في تسوية معظم النزاعات التي تحدث في المنطقة بين المنقبين.

 

الخدمات الخصوصية 

مع انتعاش نشاط التنقيب عن الذهب في منطقة اكليب اندور تعددت وتنوعت الخدمات الموازية لهذا النشاط فلم يعد يخل مخيم من المخيمات المترامية على حواف المقالع من متاجر توفر للمنقبين ما يحتاجونه من بضائع ومواد غذائية ومشروبات وأدوات مستخدمة في العمل ومع ارتفاع درجات الحرارة اقتنى بعض أصحاب المتاجر أجهزة للحفظ والتبريد تعمل بغاز البوتان أحيانا وأحيانا أخرى بالطاقة الشمسية وهو ما سهل على الصائمين أداء شعيرتهم.

ويستخدم المنقبون بعض هذه المتاجر لتحويل الأموال إلى ذويهم كما يستخدمها المستثمرون لإرسال ما تيسر من مؤن لعمالهم دون الحاجة للسفر إلى المنطقة في كل مرة.

ونظرًا لطول المسافات بين مختلف المقالع في المنطقة كان لزاما خلق نشاط يضمن توفير  النقل للمنقبين بين المقالع والمتاجر فظهرت عدة خيول تجر عربات وسيارات ثلاثية العجلات تقدم بشكل يومي للمنقبين خدماتها في هذا المجال و تضمن انسيابية الحركة بين المخيمات

كما فرض إيقاع العمل ظهور ورشات لإصلاح المولدات الكهربائية التي يستعين بها المنقب في عمليات الحفر وأخرى لإصلاح أدوات الحفر نفسها يعمل بداخلها متخصصون في مجال الميكانيكا والكهرباء.

كما توفر المجازر المنتشرة داخل المخيمات وبشكل يومي اللحوم للمنقبين تارة على شكل مجازر ثابتة وأخرى متنقلة عبر سيارات مكيفة مخصصة للحفظ والتبريد ومع ذلك يبقى غالبية المنقبين يعتمدون على وجبات غذائية تعتمد على السمك الصغير (السردين).

 

المقالع في اكليب اندور ومخزوناتها من الذهب

تتوفر منطقة اكليب اندور على أكثر من 20 مقلعا رئيسيا للذهب يتكون المقلع من عشرات الآبار ويعود بعض هذه المقالع إلى مرحلة "اتكوليب" وهي عبارة يطلقها المنقبون على عمليات التنقيب غير المرخصة التي كانت تمارس في المنطقة وهذه المقالع على سبيل المثال لا الحصر هي : مقلع لكريبه الخظره، ومقلع ببال، ومقلع سعدبوه(اكريبت البطارين). 

ومع ترخيص المنطقة ظهرت مقالع أخرى مثل مقلع إديبسات، ومقلع سدينه، ومقلع كونكل، ومقلع كوص، ومقلع بخه، بالإضافة إلى مقلع كنكو. 

وتختلف احتياطات الذهب من مقلع لآخر حيث تتراوح نسبة متوسط استخراج الذهب من المقلع للآخر من اغرام في الكيس الواحد إلى 40 اغراما فيما يتراوح عمق آبار المقالع من 6 أمتار إلى أكثر من 20 مترا توفر فرص عمل لأكثر من 8000 آلاف منقب.

 

اتحادية المنقبين ودورها الرائد في تسيير عمليات التنقيب 

يعود الفضل في ممارسة عمليات التنقيب في المنطقة العسكرية المغلقة إلى مكتب المنقبين الحالي الذي بذل جهدا كبيرا في سبيل التعبئة لدعم طلب المنقبين بهذا الخصوص وهو لا يزال حينها مكتبا غير مرخص كعمليات التنقيب في اكليب اندور ومع الاستجابة لطلبه عمل أعضاؤه بدعم من المنقبين والسلطات على الترخيص لاتحادية أطلقوا عليها اسم اتحادية المنقبين عن الذهب أفرزت مكتبا كان بمثابة الدينامو الذي يحرك العملية حيث ظل حلقة الوصل الدائمة بين الجهات الرسمية والمنقبين ففي حين ظل يندفع باستماتة لطرح مشاكل المنقبين ومطالبهم يعمل في الوقت ذاته جاهدا لإبلاغ المنقبين كل المستجدات المتعلقة بالعملية والتوجيهات والإرشادات الصادرة من الجهات الإدارية والأمنية المتعلقة بهذا الخصوص وفضلا عن هذا وذاك يخصص المكتب 300 ألف أوقية قديمة كعلاوة للممرض العامل في النقطة الصحية باكليب اندور ويوفر له عينات وأصنافا من الأدوية التي يحتاجها المنقبون فضلا عن تولي تكاليف المحروقات التي تستخدمها سيارات الإسعاف في نقل ضحايا الحوادث والمرضى من المنطقة والمقدرة بحوالي 400 لترا لرحلة سيارة إسعاف واحدة حسب المقيمين على الشأن ومع كل ذلك ترتفع أصوات ضد المكتب المذكور داخل صفوف المنقبين كادت أن تتمخض عن تشكيل مكتب منافس خلال الأيام القليلة الماضية برئاسة عالي ولد محمد ابيطات لكن جهات نافذة نصحت المكتب الجديد بتجميد نشاطه خلال المرحلة الحالية حتى لا يتأثر الجو العام في المنطقة بأية خلافات محتملة في صفوف المنقبين.

 

التحديات والمخاطر التي تواجه المنقبين

تواجه المنقبين عدة تحديات ومخاطر في عملهم اليومي :

1 - التكتيك الذي يعتمده المنقبون في الحفر والمعتمد على الرغبة في العثور على أكبر كمية من الذهب دون مراعاة الجوانب الأمنية حيث يطارد المنقب في أعماق المقالع مصادر احتياطات الذهب وكلما اختفى مصدر كلما ازدادت رغبة المنقب في العثور على الجزء المختفي من نفس المصدر إلى أن يحدث الانهيار.

2 - عدم وجود آليات لإزالة مخلفات الحفر من فوهات المقالع التي أصبحت تشكل ثقلا كبيرا على الآبار المشكلة لها.

3 - حصر مهمة نقل الأشخاص من مناطق التنقيب وإليها على الشاحنات التي تحمل من مناطق التنقيب عشرات أكياس الحجارة المشبعة بالذهب والتي تشكل غالبا خطرا على حياة المنقبين في حال تعرض الشاحنة لحادث يؤدي إلى انقلابها.

 

الحوادث المسجلة في اكليب اندور 

بلغ عدد ضحايا انهيار المقالع في اكليب اندور منذ انطلاق عمليات التنقيب في المنطقة قبل 5 أشهر، 9 ضحايا، قضوا في 3 انهيارات، تكاد تكون متزامنة، اثنان منهما في الانهيار الأول الذي تعرضت له بئر في مقلع اكليب اندور و 3 في الانهيار الثاني الذي تعرضت له نفس البئر و 4 في الانهيار الأخير الذي تعرضت له پئر أخرى في مقلع بخه فيما راح بقية الضحايا  إثر حوادث سير بين ازويرات واكليب اندور.

 

استراتيجية السلطات لمواجهة المخاطر المترتبة على التنقيب في اكليب اندور

1 - بإصرار من مكتب اتحادية المنقبين سمحت السلطات بتسيير قوافل من السيارات رباعية الدفع إلى المنطقة من أجل نقل المنقبين ذهابا وجيئة لتفادي السفر عبر الشاحنات الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى حوادث.

2 - الترخيص لبعض المستثمرين في إنشاء شركة خاصة أطلق عليها اسم "شركة التعدين التقليدي" سمح لها بنقل 4 آليات كبيرة من بينها جرافتان وحافنتان وسيعهد إلى الشركة الجديدة بنقل مخلفات الحفر المتراكمة على فوهات المقالع والتي تشكل في أغلب الأحيان ثقلا ضاغطا على المقلع يتسبب في بعض الأحيان في انهيارات مفاجئة كما ستمكن هذه الآليات من التدخل في الحوادث الطارئة كالانهيارات لنزع الأنقاض عن الضحايا.

وتعمل السلطات في الوقت الحالي على التفكير في طريقة تقلل من المخاطر وتضمن استفادة المنقبين من ثروات بلادهم.

 

إلى المشككين في وجود الذهب 

بعد زيارتي للمنطقة مرتين بهدف إعداد تقارير تلفزيونية عن نشاط التنقيب في المنطقة وسماع عشرات القصص عن عمليات التنقيب غير المرخصة من أفواه أصحابها في زمن ما يسمى باتكوليب وهو التنقيب غير المرخص وطلقات الرصاص التي كانت تطلق في اتجاه المنقبين في رحلة الكر والفر.

هل كان بإمكان عشرات المنقبين أن يعرضوا حياتهم للخطر من أجل البحث عن سراب بقيعة؟

هل يمكن لحوالي 8000 منقب أن يواصلوا العمل في مجال التنقيب طيلة 5 أشهر دون أن تكون لهم استفادة من هذا النشاط؟

هل بإمكان أكثر من 300 طاحنة أن تواصل العمل على مدار الساعة ومنذ انطلاق عمليات التنقيب دون أن تجد من الحجارة ما يغذيها بشكل مستمر من مقالع التنقيب في المنطقة؟

وكيف حصل البنك المركزي على أكثر من 500 كلغ من الذهب في فترة لا تتجاوز 5 أشهر بما قيمته أكثر من 6 مليارات و 200 ألف أوقية مع العلم أن هذه الكمية لا تمثل إلا خمس كمية الذهب المستخرجة من المنطقة والتي يتم بيع 4 أخماس منها في السوق السوداء بأثمان تكاد تكون مضاعفة عبر 5 شركات تعمل في هذا المجال بشكل سري.

 

وخلاصة القول :  أن البحث عن الذهب يتطلب بعض المشقة، والصبر والتضحية، والمخاطرة أحيانا، وككل الأشياء يفشل البعض في العثور عليه، وينجح البعض الآخر في الحصول على كميات معتبرة منه، لكن الأكيد أن منطقة اكليب اندور، كغيرها من المناطق الأخرى في البلاد، تحظى بمخزون معتبر من الذهب ينجح البعض في العثور على جزء منه فيما يفشل آخرون تمشيا مع الآية :"والله فضل بعضكم على بعض في الرزق".