عندما تخسر الدولة رجالها الأكفاء

ثلاثاء, 2025/02/11 - 1:54ص

خسرت موريتانيا المهندس الكفء محمد ولد بياه مرتين، وفي كل مرة لم يكن السبب ضعفا في أدائه ولا فسادا في تسييره، بل لأن نجاحه ونزاهته لم ينسجما مع منطق المصالح الضيقة.
بدأ الرجل مسيرته المهنية في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم"، حيث تدرج في المناصب بفضل كفاءته وانضباطه، حتى أصبح واحدا من الأطر البارزين الذين يعول عليهم. كانت "سنيم" آنذاك مصنعا للرجال، لا مكان فيها إلا لمن يتقن لغة العمل، وكان ولد بياه من ذلك الجيل النادر الذي لم يتعلم فن الالتفاف على القوانين، وإنما أتقن فن الإنجاز.

عندما واجهت "سوماسرت" أزمات مالية خانقة، اختارته إدارة "سنيم" لقيادة الشركة المتفرعة عنها وانتشالها من الخسائر. لم يقل الرجل من منصبه هناك، بل أكمل مهمته بنجاح، وتركها على أرض صلبة قبل أن تأخذه مسيرته إلى تحديات أكبر.

فعندما أدار الشركة الوطنية للمياه، كان بإمكانه أن يسلك الطريق السهل، فيمرر الصفقات المشبوهة ويحتفظ بمنصبه، لكنه اختار الطريق الأصعب رافضا طلبا مباشرا من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لإبرام صفقة مع أحد مبعوثيه خارج القانون، فكانت النتيجة إقالته.

أما محطته الثانية في الموريتاتية للطيران، فقد كانت أكثر دراماتيكية حيث أوقف استنزاف موارد الشركة، ووفر مبالغ طائلة في حساباتها، وكان يحرص على استئجار طائرات عند الأعطال لضمان عدم تعطل الرحلات ومن أجل الوفاء بالتزامات الشركة للزبناء. لكن النجاح في موريتانيا أحيانا يعد خطيئة، فوجد نفسه هدفا لحملة تشويه مدروسة، شنتها أطراف كانت تستفيد من الفوضى السابقة، لتتم الإطاحة به عقب هجمات فيسبوكية، والنتيجة واضحة اليوم، فالشركة التي تركها ولد بياه في وضع مالي مستقر، تقف الآن على حافة الإفلاس، وطائراتها معطلة، وزباؤها عالقون في المطارات، رغم الدعم المالي السخي الذي حصلت عليه.
في عهد ولد بياه، كانت الشركة تواجه الأعطال بمرونة عبر استئجار الطائرات، أما اليوم فالعجز سيد الموقف، ولا أحد يسأل: أين ذهبت الأموال؟ وكيف آلت الشركة إلى هذه الوضعية المزرية؟

لم يكن محمد ولد بياه من الذين يبحثون عن الأضواء، لكنه كان من القلائل الذين يبنون المؤسسات ويتركون بصماتهم حيثما عملوا. وكما خسرته موريتانيا، فقد خسرت قبل ذلك شقيقه محمد السالك ولد بياه، في مشهد يتكرر مع الكفاءات التي لم يكن ذنبها سوى الجدية والنزاهة.
للأسف، لا ندرك قيمة بعض الأطر إلا بعد رحيلهم، وحينها يصبح الحديث عن إنجازاتهم أشبه بحسرة متأخرة.
سيد أحمد ولد بوبكر سيره