قراءة في الحملة الجارية ضد ولد بايّه
تضج مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفايسبوك، بحملة شعواء ضد عمدة بلدية ازويرات العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايّه. لم تكن الحملة الأولى ضد الرجل، لكنها الأفظع بسبب ارتباطها باحتمال ولوجه إلى سدة الحكم. لقد تعرض العمدة لأولى حملات التشويه فور تعيينه على رأس المندوبية المكلفة برقابة الصيد سنة 2005.
فعندما أطلق المندوب برنامجا تفتيشيا وإصلاحيا غير مسبوق، استهدف أساطين الرشوة المتلاعبين بالقطاع، انبرى له الموظفون ورجال الأعمال الذين مست تلك الإجراءات الشجاعة مصالحهم الخاصة، فاستخدموا منابر الإعلام والأقلام الصحفية المأجورة للنيل منه. لكنه أبدى الكثير من الصبر معتبرا أن مصلحة البلاد في تسيير ثروتها تستحق التضحية بكل شيء، وأن وقف استنزاف الخيرات البحرية ووضع حد لانتهاكات القانون تتطلب مواجهة تلك الأقلام بالأناة والحكمة والصمت.
أما الحملة الثانية فانطلقت عندما ترشح ولد بايّه لبلدية ازويرات سنة 2013، فقيل عنه انه يحوز أموالا طائلة أخذها من قطاع الصيد عندما كان يدير المندوبية. وعن قصد، تجاهل هؤلاء حصول المندوب، بطريقة شرعية وشفافة، على علاوة 48% من الغرامات المترتبة على المخالفات لعدة سنوات، كما تجاهلوا أنه ابن المنطقة وأن من حقه الاهتمام بالشأن المحلي بعد أن أبلى بلاء حسنا في الشأن العام. لكن الرجل، إخلاصا منه لأسلوبه في الحياة، تابع السير كعادته على رأس قافلته صابرا على الضيم دون أن يواجه حملة التشويه بغير الصمت والتروي.
أما الحملة الأشرس في مشوار ولد بايّه فهي التي يتعرض لها هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقال تحليلي أصدرته صحيفة "زهرة شنقيط" قالت فيه ان "بعض المتابعين للشؤون السياسية بالبلد والمهتمين بمسار الرؤساء والمرشحين للرئاسة، يعتقدون أن الثقة المطلقة بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز والعمدة الشيخ ولد بايّه، ونظرتهما الموحدة للعديد من قضايا الداخل والخارج، والمصالح المشتركة بينهما، قد تتخطى حدود العلاقة بين العمدة والرئيس إلى تبادل يضمن استمرار مشروع الإثنين، ويحقق لهما الاستمرار في السلطة ما بعد 2019 الموعد المحدد سلفا لمغادرة الأخير بحكم قوة أحكام الدستور وحتمية إجراء تغيير داخل البلد".
لقد امتلأت صفحات المدونين، المنحازين لخط سياسي معين، بالشتائم والانتقادات اللاذعة كما لو أنهم يستكثرون على الرجل أن يكون رئيسا لموريتانيا التي ترأسها، كما يعلمون، آحاد دونه على جميع المستويات. فالعقيد ولد بايّه شارك في خدمة الوطن عسكريا وعلى طول مشواره الذي لم يعرف عنه فيه غير التفاني، وشارك في خدمة الوطن اقتصاديا فمنع الأجانب من اتفاقيات صيد مجحفة، وفرض احترام الحوزة المائية، وجبى الضرائب بكل صرامة، وأوقف نزيف الرشوة، فأدخل للخزينة أموالا طائلة لم تكن تحلم بها، ولم يعرف مشوار خدمته الاقتصادية غير الإخلاص وحسن التسيير. كما أنه شارك في الخدمة المدنية لوطنه فكان أول عمدة يسقي سكان بلديته مجانا، ويسعى بنجاح لتخفيف معاناتهم، من خلال السعي إلى تخفيض تسعرة الكهرباء والعمل على تجهيز مركز الاستطباب بالأجهزة الطبية المتطورة والخدمات الصحية الحديثة عن طريق الاتصالات الحثيثة بالدولة وبعض المنظمات الدولية، ويدخل خدمة السيارات ثلاثية العجلات في إطار خطة متقنة لتنظيف المدينة فيخلق بذلك وظائف جديدة للسائقين، إلى غير ذلك من الإنجازات المشهودة.
لقد تذكرتُ مقولتين وأنا أتابع الحملة التي يتعرض لها عمدتنا، ففي إحدى المرات زرت مدينة نواكشوط، وأردت أن التقي بصديق كان يعمل سابقا مديرا جهويا للصحة في ازويرات. وأثناء تجاذبنا لأطراف الحديث قلت له بأنني حولت من المدينة إلى مدينة نائية، فسألني عن السبب. قلت له بأن لدي أعداء وأنهم كانوا وراء ذلك التحويل القسري عن طريق حبك فلم سينمائي مفبرك المشاهد.. حينها وقف معانقا إياي وهو يقول: "سيد أحمد، لك مني كل التهاني"، قلت له: "وعلى أي أساس تهنؤني؟"، فقال: "وجود الأعداء في حياة الإنسان دليل على فاعليته".
كما ذكر لي من أثق فيه أن الرئيس السابق المرحوم اعلي ولد محمد فال، عندما كان مديرا للأمن، كان يقول بأنه يشعر بأن الشرطة تقوم بعملها جيدا كلما كثرت الشكاوي منها والمقالات المنتقدة لها، لأن ذلك دليل على التفاني والإصرار دون محاولة إرضاء الناس، وأنه يشعر بأنها لا تقوم بعملها على أحسن وجه كلما توقفت الشكاوي منها والمقالات المكتوبة ضدها، لأن ذلك دليل على أنها تتورط أكثر في المحاباة والرشوة وإرضاء الناس على حساب الجودة والإخلاص.
مهما يكن، فقد ترشح لمنصب الرئاسة في موريتانيا عشرات الأشخاص الذين لا كفاءة ولا تاريخ ولا مشوار لديهم بحيث لم تعرف عنهم أية خدمة قدموها للبلاد، كما ترأسها رجال لم يعرف عنهم أي اهتمام بالوطن لا قبل ولا بعد رئاستهم، رغم ذلك لم يعلق عليهم أحد، فكيف يسيل كل هذا المداد على مجرد شائعة تقول، دون أية تأكيدات رسمية، ان العمدة الشيخ ولد بايّه قد يترشح لرئاسة موريتانيا؟..
أليس مواطنا موريتانيا؟ ألا يملأ كل الشروط القانونية والأخلاقية والدينية اللازمة؟ ألا يمتلك القدرة العقلية والجسمية على تحمل المسؤوليات الجسام؟.. أليس له من الحنكة والتجربة ما يجعله قادرا على الجلوس على كرسي الرئاسة؟.. ألم يخدم بلاده عسكريا واقتصاديا ومدنيا بشفافية وإخلاص وصرامة وحكمة وصمت؟..
لا شك أن المقولة المأثورة عن أحد رجالات السياسة الغربييين هي وحدها التي تنطبق على الرجل هذه الأيام: "إذا طعنك الناس من الخلف، فاعلم أنك في المقدمة".
مدير موقع الزويرات ميديا : سيد احمد ولد بوبكر سيره