لقد أدت مفاعيل الثورة الصناعية في أوربا إلي سيادة النهج الديمقراطي وهيمنة البورجوازيات المحليةخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ظرف بدا فيه المجال الأوربي عاجزا عن احتضان تطوره الذاتي حيث ضاقت الأسواق وانعدم الربح وسادت الرأسمالية الاحتكارية المعروفة لدى بعض مفكري اليسار بالإمبريالية، حينها أصبحنا أمام مظاهر أزمة بنيوية كان حلها المؤقت المد الاستعماري الأوربي المعاصر.
في هذا الظرف بدأت إفريقيا ترتبط وظيفيا بالدوائر الرأسمالية الأوربية، وعلى امتداد هذه الحقبة دخلت البلاد المسماة اليوم بموريتانيا في علاقات تجارية مع الأوربيين نظمتها عدة اتفاقيات وتجلت في تبادل بعض المواد (النيله، السكر، الشاي،الصمغ، السلاح، بعض الأدوات المنزلية وغيرها...).
حينها تم ربط المجتمع وظيفيا بالطلب الأوربي فضلا عن تعطيل تطوره الذاتي من خلال مسار اعتمد عدة أنماط عنف نذكر من بينها:
ـ عنف اقتصادي استهدف بنية الاقتصاد التقليدي من خلال إغراق السوق المحلية ببضاعة أكثر تطورا تكنلوجيا، مما نافس الانتاج المحلي وقضى على تداوله مع مرور الزمن.
ـ عنف قانوني ونعني به مختلف المعاهدات والبروتكولات غير المتكافئة التي تم توقيعها بين الزعامات المحلية في بلاد شنقيط والتجار الأوربيين الناشطين على السواحل وضفة النهر. وهي اتفاقيات عمقت التناقضات الداخلية للمجتمع وهيأت الإطار القانوني والسياسي للتدخل الاجنبي.
ـ عنف عسكري: ونعني به المجهودالعسكري بشقيه الردعي والعملياتي الذي عبأته الإدارة الفرنسية من خلال جيشها لحماية الاتفاقيات المشار إليها أو فرضها أحيانا منذ القرن السابع عشر ولاحتلال البلاد لاحقا (حرب الاستعمار الزراعي، حرب الصمغ فضلا عن العمليات التي رافقت التوغل الفرنسي مع مطلع القرن العشرين).
استمرت فترة الاحتلال حتى 1960 وهو تاريخ يتفق زمنيا مع انسحاب الإدارة الاستعمارية من دول ما وراء البحار في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، بعد التحول الحاصل في العلاقات الدولية وبروز المعسكر الاشتراكي وكذا إنتشار الوعي وكافة أشكال النضال على الصعيد الداخلي . وذلك في ظرف اكتملت فيه هيكلة المستعمرات السابقة في النظام الرأسمالي العالمي سواء عن طريق الاقتصاد المعدني الموجه للتصدير أو الزراعي، مثل ميفارما(MIFERMA) بالنسبة لموريتانيا ومن بعدها صوميما (SOMIMA) أو عن طريق نقل التكنولوجيا واستثمارات الشركات متعدة الجنسيات بالنسبة لبلدان أخرى، مع بروز بورجوازية صغيرة همها الربح السريع وشرائح مثقفة تقلد العقل ونمط التفكير الأوربيين.
ومع مطلع التسعينات أنهار المعسكر الاشتراكي وانتصر الغرب الرأسمالي خاصة على الصعيدين الإعلامي والسياسي، حينها بدأت الرسميات الغربية تمارس مختلف الضغوط لدمقرطة مستعمراتها السابقة وكان مؤتمر لابول الإفريقي الفرنسي حيث طالب "فرانسواميتران" زعماء إفريقيابتطبيق النهج الديمقراطي وربط بين الدعم الفرنسي ومدى الاستجابة لهذا الطلب؛ فهل كان ذلك حبا في ازدهار إفريقيا؟ أم رغبة في أسجمة تبعيتها على الصعيد المؤسسي مع مستوى تبعيتها الحاصل على الصعيدين الاقتصادي والثقافي ؟
وبناء على ما تقدم فإن مواءمة الديمقراطية باستمرار لواقعنا تعد ضرورة تنموية يمليها التاريخ والمصلحة. وبالمقابل يكون استيرادها دون تكييف نوعا من التغريب (L’occidentalisation)المظهري السطحي الكامل،مما قد يحولها إلى نمط من العنف(المؤسسي) يتكامل بنيويا مع أنماط العنف المصنفة أعلاه التي استخدمها الاستعمار الأوربي المعاصر لإخضاع بلاد شنقيط عبر مسار متميز ومتكامل الحلقات والأهداف.
كيف نحافظ على الديمقراطية كنظام قيم له القدرة على حماية النسيج الإجتماعي وتوفير الإطار المناسب لتنمية بلادنا إنطلاقا من خصوصياتها ؟ كيف يمكننا ممارسة الديمقراطي كآلية للحكامة تزدهر في ظلها العدالة والحكم الرشيد بإستمرار ؟
في هذا الإطار اقترح فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الإصلاحات الدستورية الأخيرة ، وصادقت عليها أغلبية الشعب الموريتاني تتويجا ومواصلة للإنجازات الكبرى التي حققتها بلادنا تحت قيادته في شتى الميادين .
وانطلاقا من هذا الوعي تم اختيار مرشح التنمية والإستقرار معالي وزير الدفاع محمد ولد الشيخ محمد أحمد لرئاسيات 2019 . وهو الكفيل بمواصلة مسيرة التغيير والتقدم .
د. حامد ولد بوبكر سيره