قبل أن تستعيد الشمس أشعتها، وقف الرجل السبعيني، سالم ولد الراحل ولد اعبيد، الذي عرفه اهل مدينة ازويرات باسم "ولد عوه"، يتأمل أساس بيت قيضه الله له على يد نائب مقاطعة ازويرات ورئيس البرلمان الموريتاني السيد الشيخ ولد بايه، مكان عريش مهترئ التهمته النيران مساء الأربعاء الماضي في حي دميز: كان حصاد سنوات من العمل في المدينة قضى معظمها في استخراج الحجارة المستخدمة في مجال البناء قبل أن ينهكه العمل و تخور قواه بفعل عامل السن.
حريق العريش
ولد عوه، الوالد ل 3 أطفال صغار، كان قد انفصل عن والدتهم لكنه فضل أن يتربوا في أحضانه رغم وضعيته الإقتصادية الصعبة. في مساء الأربعاء الماضي، خلال زيارته لمنزل أحد جيرانه، ترك داخل عريشه ابنه الأكبر الذي كان قد أوقد النار من أجل إعداد وجبة العشاء، لكنه خرج مسرعا إلى وجهة أخرى فلم يمض وقت حتى التهمت النيران جميع أجزاء العريش. كان ولد عوه ينظر إلى الدخان المنبعث من اتجاه بيته بحرقة كبيرة، فالنيران تلتهم كل ما يملك دون أن يكون بمقدوره إيقاف الحريق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. عاد مسرعا إلى البيت لكنه وجد ألسنة النيران كانت قد التهمت كل شيء. وعلى وقع الصدمة، قضى مع أبنائه ليلة حزينة بفعل فقدانه كل ما يملك، فالتحفوا السماء وافترشوا الأرض حيث لا تسمح الظروف المناخية الحارة بالمبيت في الوحدة السكنية المتبقية المبنية من القصدير.
كيف تفاعل ولد بايه مع أسرة ولد عوه؟
يروي سالم قصته ل"اويرات ميديا"، على هامش عملية توزيع المواد الغذائية على الأسر الفقيرة في عاصمة الحديد، هي ثالث عملية توزيع مجاني للمواد الغذائية ينظمها رئيس البرلمان الموريتاني السيد الشيخ ولد بايه في غضون أيام بمدينة ازويرات في إطار مساعدة الأسر المحتاجة على تخطي التأثيرات الإقتصادية السلبية لجائحة كورونا. وقد استفادت منها 402 أسرة فقيرة بواقع حصة من خنشتين من الأرز وكيس من السكر وقنينة من الزيت و 5 كلغ من اللبن المجفف، وهي حصة وجدتها كل أسرة من الدفعتين الأخيرتين، فيما استفادت كل أسرة من الدفعة الأولى من حصة مضاعفة. يقول ولد عوه، وهو ينزوي بحصته الغذائية داخل سور خصص للتوزيعات الغذائية لرئيس البرلمان، إنه بينما كان في نهاية الأسبوع الماضي يفكر في طريقة لإعادة بناء عريشه وهو العاطل عن العمل، دخل عليه شخصان وقدما له مساعدة نقدية من نائب مقاطعة ازويرات السيد الشيخ ولد بايه تمثلت في مبلغ 150 ألف أوقية قديمة وأبلغاه تحياته ومؤازرته قبل أن يخبراه أن ولد بايه قرر استبدال العريش ببيت من الإسمنت المسلح كلف أحد خلصائه بتشييده محل العريش على وجه الإستعجال على مساحة بطول 5 أمتار وعرض 4 أمتار، مضيفا أن الوقت لم يمر طويلا حتى وصلت أكياس الإسمنت المسلح وقضبان الحديد المستخدمة في مجال البناء، وبدأ التأسيس لبناء البيت. ويقول ولد عوه متحدثا للموقع : "لم يكن باستطاعتي أن أنبس بكلمة واحدة بسبب الفرحة التي غمرتني وأنا أستمع لما ورد على لساني المبعوثين قبل أن أرفع يدي متضرعا إلى الله تبارك وتعالى أن يجازي خيرا صاحب المبادرة الذي لم تكن تربطني به معرفة مسبقة". يؤكد ولد عوه أنه كان يعمل في استخراج الحجارة المستخدمة في مجال البناء، وأن تقدمه في السن وصعوبة ظروف العمل في هذا المجال فرضاه على ترك مهنته الأصلية ليتفرغ لتربية أولاده، مع أنه يلجأ من حين لآخر إلى عمل مؤقت غير منتظم يتلاءم مع مستوى عمره للمساعدة في تحصيل ما يعيل به أولاده. اليوم وبحصوله على هذه المساعدة يتجدد الأمل لدى ولد عوه بتغير حياته نحو الأفضل.
تشابها في المأساة فتشابها في المؤازرة
لا تختلف قصة بوجمعة ولد بلال ولد عمر كثيرا عن قصة ولد عوه، على الأقل على المستوى المعيشي ودرجة الفقر المدقع. بوجمعه والد أسرة كانت مستعبدة تتكون من 6 أفراد من بينهم بنتان تم تحريرها بمساعدة منظمة نجدة العبيد. وصلت أسرته مدينة ازويرات يوم 7 من شهر مارس سنة 2015 وقطنت بها دون أن تجد ما يساعدها على مواجهة معترك الحياة اليومية. حصل لها عمدة ازويرات السابق السيد الشيخ ولد بايه خلال فترة تسييره لبلدية ازويرات على دعم من وكالة التضامن لتمويل مشروع مدر للدخل بتمويل تجاوز المليون أوقية. بدأ والد الأسرة العمل وهو يعيل أيضا 4 أفراد هم أبناء إحدى بناته المتوفاة. تراجع مستوى الرؤية لدى بوجمعه وبدأ يضعف جسديا ما أرغمه على التخلي عن العمل مكرها. كلما تجد بوجمعة يروي لك بحرقة بادية على محياه قصة معاناته وهو الذي استقر به المطاف على عربة يجرها حمار ينقل عبرهما بعض البضائع تحت للطلب، لكن عمله تراجع كثيرا في الفترة الأخيرة بسبب تدهور صحته. كيف استفاد بوجمعه من حريق ولد عوه؟ عندما قرر ولد بايه مؤازرة ولد عوه تذكر بوجمعة وأسرته ومعاناتهم.، فقرر أن يرسل لهم مبعوثيه في قصة مؤازرة إنسانية أخرى تعكس نماذج من تدخلات الرجل لصالح الفقير والمعوز والمريض. سلم المبعوثان مبلغ 200 ألف أوقية قديمة لأسرة بوجمعه، وهو مبلغ كان مهما بالنسبة لحياتها، لكن الأهم من ذلك هو القرار الذي أبلغ للأسرة بحصولها على بيت من الإسمنت المسلح سيتم تشييده على نفقة النائب بنفس مواصفات بيت ولد عوه. وأثناء حديث المبعوثين مع الأسرة، وصل الإسمنت ووصلت قضبان الحديد التي ستستخدم في تشييد البيت، وهو ما ضاعف فرحة الأسرة التي كانت تعتمد على عريش وبيت من الإسمنت والقصدير. يؤكد بوجمعه أنه لن ينسى أبدا صنيع ولد بايه ما دام حيا ووقوفه إلى جانبه مستحضرا دلالة المثل "رب أخ لم تلده أمك". وهكذا أحست الأسرتان بالفرج بعد العسر، وبالرخاء بعد الشدة، كما شعرتا أنه ثمة من يتحسس أخبار المنكوبين ويسارع إلى نجدتهم دونما أي نظر إلى ألوانهم ومراتبهم الاجتماعية وجهاتهم ومواقفهم...