كان يوم الخميس عندما خرجت صباحًا متجهًا إلى مدرسة التلاميد وكانت الحياة حينها عادية بعد أن عشنا لحظات من الفزع إثر انتشار العديد من الأخبار الكاذبة تدور حول ظهور حالة من كورونا في مقر شركة تازيازت لعاملٍ موريتاني كان قد أحسّ بأعراض تشبه أعراض الكورونا (كوفيد ١٩) وبعد أن أخبر الطبيب بأنه قادمٌ قبل اسبوع من ألمانيا قام بحجزه و قامت الشركة أيضا بإغلاق جميع الأبواب و توقيف العمل مؤقتا ولكن وبعد قدوم طاقم وزارة الصحة و فحصهم لهُ و إرسال عينات الفحص إلى انواكشوط ظهرت النتيجة سالبة و هذا يعني أنه غير مُصاب مجرد أعراض الحُمى و الزُكام العادية لكن ومع كل ذلك لازال الفزع يسيطرُ على مُعظمنا فالأخبار التي تبثها وسائل الإعلام دونَ استثناء كانت تتحدث عن انتشارٍ سريع و مخيف لفيروسٍ حيّرَ العالم منذ انتشاره في الصين ديسمبر الماضي ولكن لا أحد كان يفكر أبدا بأن فيروسا خرج من سوق في مدينة ووهان الصينية يمكن أن ينتشر في العالم بكل هذه السرعة فقط بعد شهرين من ظهور أول حالة
ومازادَ من روعِنا هنا هو وصوله دولا مُجاورة تربطنا بها علاقات ثقافية و اجتماعية هذا إضافةً إلى الإقتصادية فالأخبار تفيدُ باكتشاف حالات في كل من السينغال و المغرب و الجزائر و هي دول نتشاركُ معها الحدود أيضا !
عند وصولي المدرسة لم يلفت نظري أي تغير لا في السلوك و لا في الأمور الأخرى فالحياة تسير بشكلها الإعتيادي وكان الحديث عن كورونا باعتباره فيروس لايتأقلم مع المُناخ الحار وهو المُناخ المنتشر في القارة الإفريقة و رأينا أيضا أنهُ فيروس يميل للأماكن الفاخرة أماكن النُخبة و الطبقة البورجوازية هذا هو الأمر الوحيد الذي كانت تمكن إضافته إلى المعلومات الشائعة عن الفيروس الجديد لذا كنا شُبه مقتنعين بتلك الفرضية مادفعنا للتمسك بالسلوك العادي للحياة عندنا فنسلم على بعضنا كما المُعتاد ونتبادل نفس عُلب الكولا كانت الحصة الأولى في ذلك اليوم حصة العربية يدرسها أستاذ يظهر من خلال شكله أنه في بداية الستينات من عمره بدأ حصته بالإجابة على سؤال اجتمع الكل على طرحه وهو مالجديد حول كورونا ؟ وربما كان سؤالا بداعي الخروج عن السيناريو الدِراسي المُعتاد لكنه اكتفى بالقول بأنه لن يصيبهُ إلا ماكتب الله لهُ و أنه لايخاف إلا من الخالق عز وجل رد أحد التلاميذ بالقول بأن الله أمر بالسِبة ليرد الأستاذ بأنه وبذلك الأمر يغسل يداه بانتظام و يحافظ على نظافته الشخصية فماكان منا إلا و أن يممنا وُجوهنا شطره وهو يكتب على السبورة أبياتا لمحمد و لد فتى مطلعُها :
مالِ راجي الخلود نَيل الخلود && إنَّ وِردَ المنونِ حَتم الورودِ
إنمَا الموت عُرضته ليس عنه && مِن مَحيصٍ كلا ولا من مَحيد
من يُسالمه رَيبهُ لا يكونن && في أمانٍ سوف يُودي
وكانت هذه رسالة واضحة من الأستاذ أراد من خلالها الإجابة على أسئلتنا ومع ذلك قال أحد التلاميذ بسبب هذا "گلت لوضُوح " و حرارة الجو غادرَ المُستعمر هذه الأرض ليرد الأستاذ بابتسامة عريضة غامضة ولكن لايَهم فروعة و محمد كلمات و لد فتى أنستنا الكورونا و شبحه و ساحت بنا إلى عالم البلاغة و الإبداع الشنقيطي الأصيل و راح الأستاذ يُبحر بنا في ذلك المحيط العريض و المليئ بروائع الأدب فتذكرتُ كلمة قالها الروائي السوداني الراحل الطيب صالح في مُقابلة له مع ال( أم بي سي) عندما سأله الصحفي من أين له بهذه اللغة فكان رده (نحن السودانين نرضع اللغة من أثداء أمهاتنا) ، رحم الله الطيب صالح ما أروع تعبيره و كم هو ينطبق أيضا على أهالي هذه الأرض فقد رضعوا اللغة و الفقه و علوم الشرع قال لنا الأستاذ عندما كان الشعر في مرحلة الإنحطاط في البلدان العربية كانت بلادنا تعيش أزهى مراحلها الأدبية حيث قرض فحول الشعراء من على شاكلة ول فتى شعرا لو كانوا في العصر الجاهلي لكان قد عُلق على الكعبة الشريفة وراح يسمعنا روائع القصائد و الحكايات الدائرة حولها
بعد خروجنا للعطلة قبل الحصة الثانية لفتت أنظارنا شُبنا من كلية الطب حسب الظاهر من ملابسهم المكتوب عليها جمعية أطباء المستقبل حيث قدموا نصائح و توعية لتجنب الكورونا وكانت فتاة في العشرينات من العمر هي من يتحدث باسمهم فكانت تتحدث بحماس و كأنها تُحاول بذلك القول لو اجتهدتم في الدراسة جيدا ربما تصبحون مثلي يوما ما !
لكن لايهم رد أحد التلاميذ على ماتقول حول الكورونا فهو لايزال فيروسا جديدا وكل ما تقولينه حوله يعرفه الجميع و حتى لو ذهبت الآن إلى القسم الأول ابتدائي فحتما ستجدين أطفالا رُبما معلوماتهم عنه تفوق مالديك من معلومات فما كان منها إلا أن نظرت في عينيه بامتعاظ وواصلت الحديث ...
كنت و آبه رفقة احمد بدي نخطو خطانا من مدرسة الإصلاح نحو كرفور سيرا على الأقدام و حياة الناس طبيعية جدا، المدارس مفتوحة و الشارع يعُج بالسيارات وعند وصولنا ( شيارة )اخترنا الركوبَ في باص للنقل و ما إن سار حتى قال آبه بأن هذه الباصات تذكره بكورونا و الصين لكثرة ما شاهدهم في التلفزيون و هم يقومون بتعقيمها كان آبه و كأن حدسه يخبرهُ بأن كورونا أصبح قريبا و قريبا جدا !!!
أمضينا باقي النهار يتربعُ كلٌ منا على "لُمَاعين" و محمد يُمتع أسماعنا بصوت ديمي الشجي بعد أن جاءنا، دقائق قبل الغداء، وهو يشتم النقل في البلد وملامحُ وجهه لاتُخفي ذُعرا من حالة الانتشار السريعة للكورونا تدخل أحمد بدي بالقول بأننا شعبٌ انتهازي إلى أقصى درجة و بالطبع العاملين في قطاع النقل و القطاعات الأخرى لن يتركوا أي فرصة تتاح لهم و إن تكن على حساب المواطن كان امتعاظ محمد من قطاع النقل ناتجا عن أنه أعطى ضعف الأجرة لصاحب التاكسي لأن الأخير تعلل بأن الوقت حار و السيارات بالكاد موجودة مادفع محمد للقبول بعد دقائق من الإنتظار و بالطبع لم يكن يريد المجازفة بأن يفوتهُ الغداء، بعدها مُباشرة دخل آبه في سيرة الدراسة وبدأنا نناقشُ مسائل فيزيائية متعلقة بالجاذبية أخبرتُهم بأنني استطعتُ التوصل لحل بسيطٍ لها و بدأت بتوضيحه على ورقة ليسأل آبه بعد ذلك عن مسائل مُتعلقة بمصطلح ( delta) وهي جانب مُهم من الرياضيات حيث بدأ نقاشنا يدور حولها يشارك كلٌ من الآخر فكرة قالها أستاذ أو استنتاج استنتجه هو بنفسه حتى وصلنا إلى القوة( force) فأبدع آبه بتفسيرها ليَحلُ النقاش بعد ذلك و لتفتح أسئلة أجبنا عن بعضها و عجزنا عن بعضها الآخر لكننا كنا على يقين تام بأن الإجابة عن السؤال تتطلب الفهم الجيد له و لا للدرس المرتبطة به كان سيدي و قد أرهقه اليوم الدراسي و بُعد الجامعة فشغل التلفاز واضعا إياها على قناة العربية التي لا حديث لها سوى الكورونا و مستجداته وكان في كل مرة ينظر إليّ و عيناهُ مفتوحتان لا داعيّ للقلق فسنموت جميعا ليحدثني بعد ذلك كيف و أن الكامامات أصبحت منتشرة إلى حدما و أصبح العديد من الكلاب يرتدونها و من الأمور التي أضحكته اليوم هو أن أستاذَهم كان مذعورا و هو يحدث التلاميذ بأن لا سلام بالأيادي بعد اليوم معه و بأن كل من حاول الإقتراب منه بأكثر من متر ستنقص له بعض النقاط ، قهقه سيدي وهو يدخل تطبيق الفيسبوك و خاطبني بالقول "دنين كورونا گريب"