عرفت الفقيد سيدي ولد بايه عندما كنت أنشط في مركزية اتحاد العمال الموريتانيين، وكان هو أمينا عاما لقسم المعادن في نفس الاتحاد. شدني إلى الفقيد أنه كان على درجة عالية من الصراحة والجدية والصدق. كان لا يقبل أن يجعل العمال يغوصون في بحر لجي من الخيال والأحلام الكاذبة والتعهدات العرقوبية، بل كان يتعهد لهم فقط في حدود المعقول والممكن، ويصرح لهم بما يستحقون، وبما لا يستحقون؛ كان صادقا لدرجة غير معهودة في كل القادة النقابيين. وهكذا زاد اهتمامي بالرجل، شيئا فشيئا، وخاط الزمن ثوب علاقتنا المديدة، فكنت في كل يوم ازداد إعجابا به، وفي كل يوم أرى فيه بعدا إنسانيا، يستحيل في غير الأفذاذ النوادر.
ولو قدر لنقابة اتحاد العمال الموريتانيين في مدينة ازويرات أن يكتب تاريخها، فلا شك أنها ستعطي أكبر حيز في إنجازاتها، ونشاطاتها ورجالاتها للمرحوم سيدي، لأنها بلغت في عهده أعظم فترات قوتها، وحققت أنبل مطالبها وخرجت أكثر المناضلين كفاءة.
وهكذا بعد فترة، شاء القدر أن ارتبطت بعلاقة وطيدة بأخيه الشيخ ولد بايه، وكان ذلك مدعاة للتنسيق معه هو في بعض الحيثيات السياسية، وفي الشأن المحلي.. والحقيقة أن وتيرة الإعجاب بشخصيته القوية، ما انفكت تزداد، إلى أن علمت بمرضه المؤسف، وعلمت أنه عاد إلى ازويرات فزرته في العيادة المجمعة لشركة سنيم واستقبلني نجله بنفس الحفاوة، لكنني تحاشيت الدخول عليه، واكتفيت بالسؤال عن حاله، ودابت على أخذ أخباره عن بعد، لأنني تعودت عليه رجلا قويا، سليقا حاذقا، سريع البديهة، مكتمل البنية الجسمية والعقلية، ولم أشأ أن أراه في حالة مغايرة، مهما يكن.
واليوم، بينما كنت أعد عملا صحفيا للتلفزة الوطنية، نزل علي خبر وفاته كالصاعقة،. لقد علمت ببالغ الحزن أن الرجل وافاه الأجل دون أن يستشيرنا، وليته فعل!!
مهما يكن، فإن ساكنة ازويرات فقدت بفقده رجلا من طينة الأخيار، الذين يألفون ويؤلفون.. إنه سيدي ولد أحمد ولد بايه: ذلك الشهم الموطأ الأكناف، المتواضع في قوة الرجال، القوي عندما يتعلق الأمر بحقوق الآخرين، اللين عندما يتعلق الأمر بالأرامل والأيتام والمعوزين.
فلأهله منا كل التعازي الخالصة، وله منا كل الدعوات بأن يلحقه الباري بالصديقين والشهداء.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.