لا ريب في أن سعداني بنت خيطور ذكية، وتجيد خلق مساحات ضوء لها، وأنها انتقلت من مقدمة برامج في المرابطون ثم في القناة الموريتانية إلى موقع يحلم به عشرات كوادر الحركة من القدماء.
ترشيحها للبرلمان مر بعدة محطات، احتجت أولا على موقعها في اللائحة، وجمدت ترشيحها، ثم استرضاها الحزب، ومنحها نفس الرقم الذي عبرت من خلاله إلى البرلمان.
وبجلاد مستميت نجح مناصرو تواصل في حملها ثالثة اثنين من زملائها عن طريق اللائحة الوطنية المختلطة.
منذ يومها الأول في البرلمان، كانت سعداني دوما تبحث عن نثار الضوء وموقع تركز عليه الكاميرات، وتخلق الفرص لاستدارة كل الأعين إليها، إعجابا، استغرابا، وحتى استهجانا..
أياما بعد دخولها للبرلمان، كان النائب عن حزب الاتحاد الداه ولد صهيب يقدم مداخلة، فأشعره رئيس الجلسة بيجل ولد هميد بأن وقته انتهى، بدأ النائب يجادل الرئيس، فعلق بيجل: انا كلت لك عن وقتك اوف، وانا رئيس الجلسة، وأخبر منك افالإدارة، وول عمك أكبر منك، فانطلق صوت أنثوي من القاعة: السيد الرئيس ول عمك ما تنكال هون، لم يكن الصوت غير صوت الفتاة سعداني، علق بيجل بلهجة لا تخلو من مفاكهة: ذ ماه ش تدخليه.
جرت سجالات بين النائبة سعداني والنائب باري، باري شيخ من الفلان ينتمي للأغلبية يثمن عمل الحكومة ويدعمها، ويقدم مداخلاته باللغة البولارية، وكان كلما تحدث تقاطعه زميلته الشابة، وتسترسل متحدثة بلغة الرجل، بسلاقة تقارب فصاحة آمادو تيجاني قارئ بلاغات البولار قبل نشرة الواحدة زوالا في إذاعة موريتانيا.
في المرة الأولى فغر الشيخ فاه، فقد تنازعه أمران: الأول أن الفتاة تجيد لغته وهذا سبب للود، والثاني أنها في عمر إحدى بناته وتقاطعه مكذبة ومجادلة، والرجل قروي صميم..
دخل رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه على الخط مرة، وقال مخاطبا سعداني: انت ذي الهمصه ال كابظتك شنهي؟
شعرت سعداني في مرحلة معينة أن أفكارها لا تتواءم تماما مع بيتها السياسي، فهي تريد أن تكون رمزا يحمل ورقة الشرائحية، التي صارت ورقة اليانصيب المحظوظة مؤخرا، وعن طريق حملها تلك الورقة يمكن أن تصعد دوما، أما الحزب فهو يعتمد التناوب في المسؤوليات والمهام، ويحاول أن يؤخر دور الفرد لصالح دور الفريق.
مدت النائبة الطموحُ الحبالَ لزميلها الخارج من الانتخابات الرئاسية بالرتبة الثانية بيرام ولد الداه ولد اعبيد، مستشرفة أفقا سياسيا خاصا بالرجل، يمكن أن يسع أحلامها، ويكون عنوانه: تحالف شريحتين مضطهدتين تاريخيا.
خطوة لا ينقصها الذكاء، لكنها أتت في وقت متأخر، الرجل منته وهي مبتدئة، وبينهما أبحر وجبال، وهي على ذكائها، ما زالت في فن السياسة طفلة، وهو يمتلك ذكاء يمنعه من أن يسمح لها بتجريبه معبرا ظرفيا إلى الأحلام، زد على ذلك أنه يمتلك عشرات الخطابات التي يتحين بها وقتها المناسب، في حين لا تملك هي إلا خطابا واحدا.
وإمعانا في التودد له قفزت قضية المستعبدين السابقين مؤخرا إلى صدارة اهتماماتها.
وضعت الفتاة نصب عينها احتمالا آخر، وهو أنها قد لا تحصل من الرجل على ما تريد، فطرقت أبواب الأغلبية، ورحبت بحرارة بخطاب رئيس الجمهورية في وادان.
دون أن ننسى أنها حاولت في المرحلة التي سبقت هذه أن تقدم نفسها محامية وحيدة عن الشريحة التي تنتمي لها، واستغلت تسجيلا مرئيا خلال تعزية يمازح فيه محمد الزين ولد القاسم، وهو رجل صوفي يعيش على هامش سجالات نواكشوط الصاخبة، بعض مريدي صديقه الفخامة ولد الشيخ سيديا.
في مداخلتها الأخيرة أمام البرلمان؛ حاولت سعداني أن تجمع بين العجى والكلى في شدق، فقد أنشأت قصيدة نثرية عصماء في الإشادة برئيس الجمهورية، خلال ملحمة هجائية مطولة لقطاع الشؤون الإسلامية.
وصلت الأمور بين البنت المدللة والحزب إلى عنق الزجاجة خلال الأيام الماضية، وأظنني لست بحاجة إلى المرور على الملاسنات والمباثثات والصوتيات الأخيرة.
تواصل وجد نفسه بين أمرين: أن يصبر على خروج نائبته عن النص وسط تذمر غالبية ناخبيه، أو أن يطردها ويخسر مقعدا برلمانيا، وكانت الأخرى آخر الدواء.
من المؤكد أنه كان يمكن إدارة الخلاف بطريقة أخرى، وأن أبا صلاح لو كان في مقصورة القيادة لكان التعامل غير هذا.
سعداني لم ترد حتى الآن على بيان حزبها، وذلك ما يحسب لها، التعجل ليس من سمات السياسي الذي ينظر للبعيد، ومناضلو تواصل باتوا البارحة يتبادلون التهانئ بمناسبة خسارة حزبهم لمقعد سعداني.
والسجال متواصل..
ن. أحمدو