أغارت خزاعة على هوازن، وَسَقُوا هودج سلمى وقلادة الرباب وخمار دعد.. أخذوا الخيل العتاق، وخيام الوبر.. نهبوا السيوف اليمانية.. لم يتركوا رمحا ولا قوسا ولا وسادة ولا كساء.
كل شيء في واد الأراكِ مستحَل، حتى "عطر منشم" أراقوه.. مزقوا أحرف "النزاهة"، وضعوا كل حرف في زنزانة.. هرسوا الحياء فاستولوا على باحات كتاتيب الأطفال.. احتقروا العسس فسرقوا ثلث مراح إبلهم.. هجموا على عرصات الشبان فتلصصوا على نصف السور الملعون: حيث صلى العصاة، ذات يوم، خلف الزعيم الراحل (صلاة لا ثواب لها غير نار تلظى).
بعد معركة "واد الأراك"، في العشر العجاف، لم يترك فرسان خزاعة خلفهم إلا مدينة خاوية على عروشها، ما بها غير الخُشُب المُسَنّدة والأرض اليبوس.. لا ماء.. لا مرعى.. حتى العصافير أكلوا برازها.. استنشقوا كل غبار معادن القبيلة المستباحة. وفي نشوة المنتصر الزنيم اللئيم، ارتشفوا حوت البحر عن آخره. ثم عادوا إلى محمياتهم حيث تنتظرهم الظباء والغزلان وكاسات شاي خفيف يقام على أوتار نسيم رطب فواح.. وفي هزيع الليل، عندما أسدل الظلام ستائره، تقاسموا الغنيمة لا يلوون على شيء.. مسكينة هوازن، ما ذنبها!!.