قصة كفاح .. فاطمة التي ترفض الاستسلام لليأس

اثنين, 2022/07/25 - 1:27ص

ولدت فاطمة بنت محمد أحمد يوم 14 من شهر سبتمبر 2004 في مدينة ازويرات، من أسرة غير ميسورة. انفصل والداها وعمرها لم يتجاوز السنتين، فكرست والدتها حياتها من أجل تربيتها إلى جانب شقيقتها الكبرى.
عندما بلغت ست سنوات، التحقت بالمدرسة الإبتدائية، وساعدتها دراستها المحظرية في الولوج  مباشرة إلى القسم الثاني، فأحبت المدرسة كثيرا لدرجة أنها مع كل إغلاق مدرسي، تحن شوقا إلى افتتاح عام  جديد.
ورغم صغرها مقارنة بزملائها في القسم.
ظلت فاطمة تخطف الأضواء بتميزها في الدراسة، محتلة المرتبة الأولى في كل مرة، إلى أن وصلت السنة السادسة،فحاولت الإستفادة من دروس التقوية على غرار غيرها من تلامذة الفصل، لكن ظروف العائلة الإقتصادية حالت دون تحقيق مبتغاها.
وأمام رغبة الوالدة المعلنة في الإعتماد على ابنتها، في تحقيق رغبتها، المتمثلة في حج بيت الله الحرام، وحرص البنت على تحقيق أمنية الوالدة، زاد من إصرار فاطمة على المثابرة، وتحقيق النجاح في مشوارها الدراسي، حيث حصلت على 125 نقطة في مسابقة دخول السنة الأولى من التعليم الإعدادي.
  ومع بداية مشوارها الدراسي في الإعدادية، وظهور مادة جديدة، أعادت الكرة مع الوالد، الذي لم يكن يسكن معها، من أجل الإستفادة من الساعات الإضافية، لكنها اصطدمت بالواقع المر، فوالدها لم يكن ميسور الحال، ويعيل 3 أسر، من ضمنها أسرة أخيها غير الشقيق، العاطل عن العمل. 
ظلت بنت محمد أحمد تنتقل بين المراتب الأربع الأولى في الفصل، إلى أن نجحت في شهادة ختم الدروس الإعدادية، حاصلة على معدل عام للسنة الدراسية وصل 14.25.
وأمام تميزها في المواد العلمية، خلال دراستها في الإعدادية رقم 1، وجهت إلى شعبة الرياضيات،  فاضطرت إلى الإنتقال إلى الثانوية. ورغم تغير المؤسسة، والطاقم التدريسي، ظلت فاطمة على مثابرتها المعهودة، لتقتطف في الفصل الخامس معدل 13.75، مع صعوبة الظروف بفعل جائحة كورونا، التي أثرت على المسار الدراسي ككل.
واصلت الشابة تميزها في الفصل السادس رياضيات، حاصدة معدلا من 14.22 رغم المفاجأة غير السارة، التي واجهتها بفعل إصابة والدها في نهاية نفس السنة، بمرض غامض،  تبين لاحقا أنه سرطان الدماغ، ويعتبر هذا المعدل معدل كبير في مثل هذا الفصل، فالتلميذة أمنيتها أن تصبح مهندسة، في مدينة يشكل المهندسون فيها نخبة النخبة، بالنظر لكونها مدينة صناعية، تحتضن أكبر شركة منجمية في البلاد، هي الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم".
مع بداية السنة الدراسية الموالية، تطلب التحضير للباكلوريا تكاليف إضافية، فأصبحت الساعات الإضافية تفرض نفسها، والمستلزمات المدرسية الأخرى، فضلا عن ضرورة تأجير سيارة أجرة تقل الفتاة ذهابا وإيابا إلى المدرسة بشكل يومي.
اضطرت الوالدة بفعل هذه الأعباء الأضافية إلى تأجير بيت الأسرة لبعض الأجانب من الماليين، والإنتقال إلى حي "الرك" القديم.
لم يمض على افتتاح السنة الدراسية أسبوعان، حتى اضطرت للسفر إلى انواكشوط من أجل استقبال والدها، الذي وصل للتو من العاصمة السينغالية داكار، بعد إجراء عملية جراحية فاشلة، عند وصولها العاصمة، تفجأت بواقع مؤلم، حيث اكتشفت أن والدها فقد بصره بشكل كلي، وذاكرته أيضا، ولم يستطع التعرف عليها، ورغم الصدمة وحساسية المرحلة الدراسية، قضت عدة أيام معه قبل أن تعود لاستكمال الدراسة، لتتلقى بعد أسابيع فاجعة فقدان والدها، مما سببت لها صدمة نفسية كبيرة، شكلت بداية لسلسة من الصدمات، التي خبأتها لها الأقدار، خلال سنتها التحضيرية لشهادة الباكلوريا.
وفي منتصف السنة الدراسة، اصطدمت بفرض البرنامج التجريبي على جميع تلامذة فصلها.
ولأنه الفصل الوحيد في شعبة الرياضيات، اختار بعض التلاميذ اللحاق بشعبة العلوم، هروبا من صعوبة اللغة، وطول البرنامج المقررة، بينما سافر البعض إلى مدن أخرى هروبا من البرنامج التجريبي، في وقت اختارت الطلفة اليتيمة أن تتابع وتصمد.
وعلى عكس رأي أستاذها للتربية الإسلامية، الذي كان معارضا لفكرة البرنامج التجريبي، متعللا بأن مستقبل تلامذته مجهول، كانت متفائلة على غرار أستاذها للعلوم الطبيعية، فكان طموحها وتوقعات الأستاذ أن تكون من بين الثلاثة الأوائل في ولاية تيرس زمور، وفي أضعف تقدير من بين الخمسة والأربعين الأكثر تفوقا على مستوى التراب الوطني.
المفاجأة الأولى تلقتها المترشحة يوم 13 من شهر يوليو، حيث تقول إن أسئلة التربية الإسلامية كانت مخالفة للنماذج التي تلقت وزملاؤها عبر دروس السنة الدراسية، ومع ذلك، لم تشكل المفاجأة صدمة كبيرة لها، فقد راجعت الطرح القديم والجديد معا، ثم تلقى المتشرحون في اليوم الموالي مادة الرياضيات، فلم تكن صعبة بالنسبة لها، بل إنها على عكس ذلك، ساهمت في الرفع من مستوى تفائلها، إلى أن وزع موضوع الفيزياء، اكتشف المترشحون خطأ في طباعة أحد التمارين، الذي لم يتم تصحيحه إلا قبل انتهاء الوقت بربع ساعة، ورغم ذلك ظلت معنويات فاطمة مرتفعة، خاصة أن أساتذتها كانوا متفائلين جدا، بعد تلقيهم مسودات عملها الخاصة بالمواد المسندة إليهم.
      لم يدم الحال طويلا، فقد كانت الصدمة كبيرة جدا، ومؤثرة جدا هذه المرة، فالمترشحة اعتادت التفوق، وأحبت كثيرا أن تكون سندا لأسرتها، التي ضحت بكل شيء، من أجل توفير الظروف المناسبة لها، فكانت النتائج مخيبة للآمال ، لم ينجح من الفصل سوى 6 تلاميذ لم تكن من ضمنهم.
عانت أياما كثيرة، أصيبت بالأرق، تستيقظ كل ليلة ألما، ووجعا، وحزنا. لم تكن تعرف شيئا عن الفترة المخصصة للطعن في التصحيح، من أجل التحقق من نتائجها الحقيقية، إلى غاية انتهاء المهلة.
تحكي فاطمة بحرقة وألم قصة معاناتها، لازويرات ميديا، ولم تفقد الأمل في أن تعيد الكرة من جديد، خلال السنة القادمة، علها تحقق أمنية والدتها يوما، وتغير من واقع أسرتها نحو الأفضل.