تفاجأت قبل أيام بصديق وزميل سابق ينعي، على صفحته، النائب السابق، الصديق العزيز أبنو ولد حيمده، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.
كنت حزينا جدا.. لم تكن أمامي وسيلة سريعة يمكن من خلالها التعرف على ملابسات وفاته المفاجئة إذ كنت خارج الوطن، ولا أتوفر على أرقام هواتف لمقربين منه.
وبعد يومين فقط، كانت الصدمة كبيرة جدا حين اطلعت على عدد من الصور غير القانونية وغير الأخلاقية التي انتشرت انتشارا واسعا عبر وسائط التواصل الإجتماعي، وهي تظهر الفقيد بعد أن فارق الحياة وقد التف حبل مشنقة على عنقه في حمام المنزل الذي يقطنه، وظهر فيها واقفا على ركبتيه في بلاط الحمام، بينما عكست مرآة الحمام صورة رجل يبدو أنه الملتقط للصورة، أو كان ضمن الفريق الذي التقطها أو وافق، فعليا أو ضمنيا، على التقاطها، ومن ثم نشرها بشكل خارق خرقا صارخا للقوانين والأعراف.
لم تكن صورة الضحية توحي بأية إصابة باختلال عقلي أو نفسي كما يحاول "الملتقط" تأكيده، فقد كان شعر رأسه مرتبا، حديث عهد بالحلاقة، ما يوحي بتشبثه بالحياة.
وانطلاقا من أن الصورة التي ظهرت للفقيد تختلف كل الإختلاف عن الصور التي تظهر عادة لبعض من أقدموا على الإنتحار الذين تظهر أقدامهم معلقة في الهواء، ونظرا لتربيته الدينية وهوالمنحدر من أسرتي أهل حيمده وأهل الشيخ محمد المامي المعروفتين بالعلم والورع والصلاح والإلتزام الديني والاتزان النفسي والخلقي، وانطلاقا من معرفتي القوية للرجل منذ الطفولة ثم المراهقة عندما كان مضربا للمثل في التمسك بتعاليم الدين والمحافظة على الصلاة و الخلق الحميد والإبتسامة الدائمة الظاهرة على محياه والأريحية ومداعبة جلسائه بنكته المعهودة.
نظرا لكل ذلك، فإني أجزم بفرضية قتله بدم بارد مع العلم أنني لا أتهم أحدا بحد ذاته، فتلك مهمة المحققين.
وفي الوقت الذي قامت السلطات مشكورة بتشكيل فريق للتحقيق في ملابسات القضية، فإن عمله ما يزال خجولا إذ لم يتوصل حتى الآن إلى نتيجة جازمة.
ومن منظور المتابع والمهتم بكشف ملابسات هذه الجريمة التي كان ضحيتها نائب سابق في البرلمان، أسجل بعض الأخطاء المهنية الفادحة التي ارتكبت خلال مسار التحقيق في نظرنا المتواضع:
أولا : غياب وكيل الجمهورية الذي يتبع له الحيز الجغرافي عن الوقوف على مسرح الجريمة بنفسه ومعاينة الجثمان في موقع الجريمة وحتى بعد نقل الجثمان إلى مستشفى الشيخ زايد. وهو ما يعتبر تهاونا كبيرا وخطأ فادحا لا يمكن تبريره إلا إذا وقعت جريمة أخرى بالتزامن مع هذه الجريمة أخطر منها.
ثانيا : رفض أفراد الأمن لإبني عمه وصديقيه المقربين الإطلاع على وضعيته في غرفة الحمام لحظة اكتشاف الجريمة في الوقت الذي نشرت فيه صوره على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ما سبب صدمة عامة، وما يمكن أن يفهم منه أنه ثمة محاولة لإقناع الرأي العام، على وجه السرعة، بأن الأمر يتعلق، حصريا، بعملية انتحار.
ثالثا : السماح لذوي الفقيد بدفنه قبل معاينته وتشريح جثمانه والتحقيق في ملابسات الجريمة. فحتى ولو وقع ذلك تحت أي ضغط، فإنه يعتبر تهاونا كبيرا وثغرة قوية في مسار تحقيق يراد له التوصل إلى نتيجة مقنعة مبنية على أدلة وقرائن.
فمن المعروف أنه حتى إذا ما تخلى أهل الضحية عن حقهم في تبيان حقيقة الجريمة، يبقى الحق العام الذي يحرص عليه الإدعاء.
فكيف إذن يمكن التوصل لنتائج مقنعة للتحقيق في جريمة مروعة، دفن جثمان صاحبها دون معاينة رسمية ولا تشريح، بمثل هذه السرعة؟ وكيف لا يعمق البحث والتحري في عملية غامضة راح ضحيتها أي شخص عاد، أحرى عضوا سابقا في البرلمان؟
وأخيرا، فإنني جد مقتنع بكفاءة المحققين وحسن نواياهم، لكنني، مثل كل مسكون بالعدالة والانصاف، أطالب بإعادة التحقيق ومنحه ما يستحق من آليات فنية عصرية، كي يتم رفع اللبس في موت رجل معروف بالتوازن السيكولوجي والخلقي، ومعروف بالتدين وحسن التربية والسلوك.
سيد أحمد ولد بوبكر سيره