"... تقدم الظلام رويدا رويدا، فانداحت أرض تيرس تحت عيونهم، وهي تلتحف السواد تدريجيا، وبدا وكأن انبساطها قد زاد، عما كانت عليه قبل حلول المساء.
كانت الرياح تهب باردة، بلا رادع ولا وازع، وتناثرت النجوم لامعة منيرة، وتلألأت في كبد السماء، فزادت المشهد صمتا وسكينة وحيرة .
بدأت المجموعة الصغيرة تدرك واقعها الجديد، وبات أفرادها الآن، على استعداد لقضاء ليلة "تيرسية" من غير ترتيب، فسيارتهم توقف محركها عن الدوران، ولم تعد عجلاتها تطاوعها لمبارحة هذا المكان، السابح في بحر صحراء، يزيدها الليل غموضا وجبروتا وسحرا، دون شك، لمن وجد الاستعداد لذلك..
تحسس كبير المجموعة وأسنها زادهم، فازداد قلقا، فكل ما بحوزتهم هو قليل من الماء و علب معدودة من بسكويت، كانوا يتأففون من تناوله، ولا يزيد أحدهم عند الضرورة القصوى على بضع قطع صغيرة، يبتلعها مع جرعات الشاي التي يعدونها من حين لآخر في محطات الاستراحة.
كان الطقس باردا، وهو ما يعني عدم الحاجة الكبيرة للماء، أما الغذاء في هذه الليلة الباردة، فما تغني منه قطع بسكويت يابسة باهتة الملامح، استوردها تاجر شاطر، من بلد بعيد، قبل تاريخ انقضاء صلاحيتها للاستعمال البشري، بأيام معدودة، ثم كتب لها عمرا جديدا، بأن مهرها في محل ب"شارع الرزق" بتاريخ ميلاد، يمنحها سنوات مديدة أخرى.
ازدرد القوم جرعات من الشاي مكثفة ومتتالية، والتهموا بنهم كل المخزون الاستراتيجي داخل السيارة من البسكويت، التي كانوا يعافون حتى النظر ناحيتها، قبل ساعات فقط..
زمجرت الريح بقوة، وازدادت النجوم لمعانا وبعدا، فيما بات الوصول إلى ازويرات حلما لذيذا ومستحيلا خلال ساعات..
لوي رئيس الفريق الإعلامي عنقه، وراح في نوم عميق، في المقعد الأمامي، بجانب السائق، بعد ما يئس من احتمال وصول منقذين قبل الصباح... "
يتواصل