عاد ملف عمال الجرنالية، في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)، في مدينة ازويرات، إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات على تسوية توصلت إليها الدولة سنة 2013، ممثلة في عدة قطاعات وزارية من أهمها وزارة الداخلية ووزارة الشغل ووزارة المعادن، بالإضافة إلى شركة سنيم نفسها والنقابة الممثلة للجرنالية، بموجبها تم فك الإرتباط الإداري المباشر بين الشركة المنجمية الوطنية الأكبر في البلاد وعمال الجرنالية، وأصبحت الشركة تتعامل مع شركات خدمية عبر عقود عمل، فيما تتولى الشركات مسؤولية تسيير عمالها خلال أدائهم لعملهم اليومي. وبموجب هذه التسوية، تم دفع الشركة إلى اكتتاب أكثر من 1000 عامل جرنالي دفعة واحدة عبر تنظيم مسابقة، كما تم التعويض لكل العمال الذين لم يستطيعوا النجاح في الإمتحانات وأولئك الذين وصلت أعمارهم 50 سنة، ووصلت تعويضات بعضهم أكثر من 4 ملايين ونصف أوقية للعامل الواحد (مبلغ يفوق ما يحصل عليه عامل رسمي في شركة سنيم عند تقاعده بعد عقود من الخدمة)، وهو ما كلف الدولة، من خلال شركة سنيم وخيريتها، أكثر من ملياري أوقية وأثقل كاهل الشركة بعدد العمال الذين أدمجوا فيها بشكل غير مدروس وبطريقة استعجالية. ورغم التكاليف الباهظة التي تكلفتها الدولة والشركة، فقد اعتبرت الأطراف المشاركة "التسوية" التي توصلوا لها إنجازا مهما ينهي مشكلة مزمنة ظلت تؤرق السلطات العمومية والمسؤولين في الشركة المنجمية بعد أن تحولت إلى أعمال شغب في 28 من شهر مايو من سنة 2013 خلفت حرق مبنيين حكوميين سياديين هما مباني ولاية تيرس زمور ومبنى محطة الإذاعة الوطنية، فضلا عن عدد من السيارات والتجهيزات. هكذا، ظلت مدينة ازويرات هادئة لسنوات بعد التوصل للتسوية المذكورة إلى أن غادر الواجهة النظام السابق الذي باركها، بل وكان عرابها. عين النظام الجديد على رأس إدارة الشركة الوزير الأسبق والسياسي السيد المختار ولد اجاي، فأعاد إلى عمال سنيم الرسميين التشجيعات المادية التي حرموا منها خلال العشرية تمشيا مع توجيهات رأس النظام الجديد، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الداعية إلى ضرورة إشراك العمال في الأرباح التي تحققها الشركة بعد أن منع الرئيس السابق الشركات العاملة في موريتانيا من منح عمالها أي امتيازات إضافية خارجا عن رواتبهم.
استبشر عمال شركة سنيم خيرا في هذه الخطوة، وشيئا فشيئا بدأ عمال الجرنالية يطالبون بالإستفادة من موسمي العطاء الخاصين بالعمال الرسميين في الشهر الأول من السنة والشهر الرابع، لكن حنكة ولد اجاي السياسية ونظرته الثاقبة للوضعية تجاهلت مطلب عمال الجرنالية رغم أحقيتهم بالتشجيع باعتبار أن الخطوة ستنسف جهود دولة بكل أركانها وبقطاعاتها الوزارية، وجهود الشركة نفسها، والتكاليف الباهظة التي تكلفتها من أجل التوصل إلى التسوية، وأكثر من ذلك تعيد الوضعية إلى مربعها الأول وتعيد الحراك العمالي إلى الفوران ليحل محل الهدوء. بعد تغيير إدارة شركة سنيم، وفي إطار التنافس الروتيني بين الإدارات المتعاقبة على خدمة العمال، قررت الإدارة الجديدة منح عمال الجرنالية مبالغ مالية تشجيعية في نهاية شهر ابريل الماضي تزامنا مع الإمتيازات التي حصل عليها عمال سنيم، لكن هذه الخطوة - رغم أحقيتها- أسالت لعاب الجرنالية، وفتحت شهيتهم من جديد، وأعادت الوضعية إلى مربعها الأول حيث يضغط عمال الجرنالية، حاليا في مدينة ازويرات، للحصول على بعض ما حصل عليه عمال سنيم في شهر دجمبر الماضي، ليعود المشهد إلى ما كان عليه قبل سنوات، وتصبح أموال الدولة وجهودها في مهب الريح.