كانت الثمانينات أكثر فترة مظلمة عانت فيها الجمهورية، ففي بداياتها دخل مطربون على وزير عسكري ومجّدوه قبَليا، في مكتبه المهيب، بمدائح استمع إليها الموظفون بخشوع ظاهري وامتعاض باطني مغلوب على أمره. كانت تلك "الجلسة الموسيقية" الشاذة، سابقة أعطت إشارة الضوء الأخضر لانطلاق إهانة الرموز الوطنية والدوس على قيم الجمهورية. لقد تحول مكتب الوزير إلى "خيمة كبيرة" تستقبل "المَجّادة" و"الهيدانة"، وتدفع لهم عن "خدمتهم" أموالا طائلة كدسها السائبون المتحكمون في ثروات العباد.
وفي أواسط الثمانينات، بادر بعض الوزراء إلى وضع غرف للنوم داخل مكاتبهم، خصصوها لاستقبال ثيّبات وأبكار "الملفات الساخنة". كانت تلك ثاني إشارة واضحة إلى تجاسر معول الهدم على رمزية الوزارة وقداسة مؤسسات الدولة. ومثّلت السابقتان ضربة موجعة للجمهورية ربما ما زلنا نعاني من تبعاتها إلى حد الساعة.
واليوم تنطلق العشرية الثالثة من قرننا الحالي بكدمة أخرى أصابت كبد الجمهورية. فجأة، يدخل مدني زفّان في أعماق ثكنة عسكرية. وبصوت غير رخيم ولا رحيم، نراه ونسمعه يتملق ممجّدا قائدا عسكريا ووزيرا سياديا، بلغة سوقية، ساقطة، مبتذلة، قبلية، متخلفة، وفي مشهد خسيس جهول يؤكد أن ماكنة هدم مؤسساتنا الجمهورية وصلت حتى إلى الجيش: ذلك الرمز الجمهوري، الجامع، الموحّد، المفترض فيه أن يبقى بمَنْجَى عن اللعب وبمنأى عن التلاعب.
عَقْدٌ بعد عَقْد، تغرس النُّخَبُ الحاكمة أظلافها في رموز الوطن، فتمزقها علنا ونحن واجمون، مكروبون، صامتون، حيارى كأن الأمر لا يعني لنا أي شيء.
مسكينة هي موريتانيا إذا لم يقدم اللواء، قائد أركان الجيش، اعتذاره العلني الصريح للشعب ولقدسية رموزه!!. وعلى الوطن السلام إذا لم يتخذ اللواء إجراءات تأديبية تبدأ به شخصيا، وتنتهي بكل عسكري سمح بدخول الزفان المُهَرّج إلى ثكنات العسكر، أو سمح له بالكلام فيها، أو تسامح معه في الدوس على كرامة وسمعة الجيش على مرأى ومسمع من قادة عسكريين وأمنيين ما كان لهم أن يقبلوا!!.