
يحاول البعض، ممن اعتادوا التخفي خلف أسماء مستعارة أو التسلل عبر نوافذ التدوين في منصات التواصل الاجتماعي، توجيه سهام النقد المغرض نحو إدارة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم"، متخذين من حادثة سوء تسيير في إحدى الشركات المتفرعة عنها، وهي شركة "الموريتانية للمياه والكهرباء"، مطية للنيل من شخص المدير العام محمد فال ولد التلميدي، في حملة تعكس في جوهرها ضيق الأفق وضعف الحجة.
لقد انتظر هؤلاء طويلا، وتربصوا بكل خطوة، مترصدين ثغرة في نظام تسيير الشركة ليبنوا عليها رواية تسند أوهامهم. غير أن جهودهم خابت، واصطدمت بجدار الصرامة والمهنية الذي بنته الإدارة الحالية بسواعد من خبروا المؤسسة من الداخل، وارتقوا فيها عبر مسار مهني مشرف، بدءا من الميدان وانتهاء بالإدارة العامة.
محمد فال ولد التلميدي لم يعين في هذا المنصب اعتباطا، بل جاء اختياره من طرف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني تتويجا لمسار إداري وفني نادر، فهو من أبناء الشركة الذين تمرسوا في أدق تفاصيلها: من إطار ميداني في الألكتروميكانيكا إلى رئاسة القطاع، فإدارة مقر الاستغلال بازويرات، ثم قيادة قطب الإنتاج، قبل أن يكلف بالإدارة التجارية، وصولا إلى الإدارة العامة. وقد راكم خلال هذه الرحلة خبرة نوعية جعلته أقدر من يلامس مكامن الخلل ويقترح الحلول بتبصر ومسؤولية.
ومنذ تسلمه زمام الأمور، لم يكن الرجل تواقا إلى المجد الإعلامي أو التغطيات الدعائية، بل فضل لغة الأرقام والنتائج. ففي عهده، حققت الشركة رقمين قياسيين في الإنتاج والمبيعات لسنتين متتاليتين، وأُطلقت مشاريع توسعة واعدة شملت فتح مناجم جديدة وربط شراكات نوعية مع مستثمرين أجانب، وكل ذلك في ظل سياسة داخلية صارمة أرست مناخا عماليا يسوده الاحترام والتقدير المتبادل.
ولأن الإدارة لا تقاس فقط بلحظات الإنجاز، بل كذلك بطريقة تعاطيها مع الأزمات، فإن ما جرى في الشركة المتفرعة، رغم استقلاليتها الإدارية، كان اختبارا لإيقاع ردة الفعل، وقد جاءت الاستجابة حازمة: فصل المتهمين الأربعة فورا، ثم اجتماع طارئ لمجلس إدارة الشركة الموريتانية للمياه والكهرباء أعقبه تغيير المدير العام، رغم عدم تورطه المباشر، في إشارة واضحة إلى أن المسؤولية هنا لا تختزل في النوايا بل تقاس بالمخرجات.
هذه الإجراءات السريعة والحازمة لم تترك مجالا للمزايدات، وأثبتت أن من يقود سنيم اليوم فضلا عن كونه إداريا عابرا، فإنه بالإضافة إلى ذلك رجل دولة في هيئة مسؤول، جمع بين الصرامة والمرونة، وبين الحزم والإنصاف.
لقد وجد في التحديات فرصة للإصلاح، فأعاد الاعتبار لملف الطاقة الكهربائية في ازويرات الذي ظل مهملا في فترات سابقة، وأطلق مشروعين متكاملين لتوليد الكهرباء، أحدهما بالطاقة الشمسية (وقد اكتمل بالفعل)، والثاني بالطاقة الحرارية (في مراحله الأخيرة)، في رؤية تؤمن بالتنوع والاعتماد على الذات، لا على خط تيار وحيد قد يتعطل في أية لحظة.
كما لا يمكن تجاهل المقاربة الاجتماعية التي اتبعها المدير العام، والتي أفضت إلى تقليص البطالة عبر اكتتابات مدروسة، وحققت ما يشبه سياسة "صفر مشاكل" في علاقتها بمناديب العمال، دون أن يفرط في هيبة الإدارة أو يتهاون في محاسبة كل من تثبت بحقه المخالفة، مهما كانت درجتها.
أما من يعتقدون أن تسيير الشركات يجب أن يكون معصوما من الأخطاء، فهم إما واهمون أو يتعمدون الإنكار؛ إذ لا توجد إدارة تخلو من التحديات، لكن الفارق هو كيف تدار هذه التحديات: بين من يدفن رأسه في الرمال، ومن يسارع إلى الإصلاح بجرأة ومسؤولية… وقد اختارت إدارة سنيم الخيار الثاني.
فلتسقط إذا هذه الموجة المفتعلة، وليتوار خلفها من أوقد نارها، لأن الحقيقة، مهما طال حجبها، لا تحجبها زوبعة في فنجان، ولا تطفئها تدوينات الانفعال الموسمية. فالرجل الذي يتولى قيادة سنيم اليوم لا يحتاج إلى تلميع، لأن منجزاته تشهد، ومسيرته تتكلم، ومن يعرفه عن قرب يعلم أنه لا يرد على المسيئين… لأنه ببساطة مشغول بالبناء لا بالضجيج.
سيد أحمد ولد بوبكر سيره