من قلب المعاناة.. آمنة بنت بهيت تبوح ل "ازويرات ميديا" بحكاية الذهب والجراح

سبت, 2025/08/02 - 8:14ص

خيمة الإغاثة.. حين تصير المرأة وطنا في الفيافي

في الزمن الذي كانت فيه صحراء تيرس زمور الشمالية مسرحا للمطاردات، وأرضا منزوعة من المدنيين بقرارات عسكرية، سطعت نجمة امرأة قررت أن تنقب عن الذهب، لكنها في الحقيقة كانت تنقب عن الإنسان.
آمنة بنت بهيت، لم تكن تبحث عن لقمة العيش في صخور "تنومر" فقط، وإنما كانت ملاذا آمنا لمن ضلّ الطريق، وبلسما لجراح المنقبين حين يخذلهم الرفاق. في ركن قصي من الرمال، نصبت خيمتها، التي سرعان ما تحولت إلى "خيمة الإغاثة"، ورفعت شعارا غير مكتوب: "من لجأ إليّ فهو آمن".
منذ نهاية 2015، حين كانت مناطق التنقيب حكرا على الرجال، ومحظورة على الجميع إلا العسكريين، دخلت هذه السيدة الصلبة الميدان كأول امرأة تقاوم صعاب التنقيب وتصارع قسوة الصحراء. لكن الصحراء التي منحتها مكانة في قلوب الرجال، تنكرت لها لاحقا، حين خطفها حادث سير مأساوي وهي في طريقها إلى ميدانها، ففقدت ذراعا وساقا، وانكسر جسدها في ثمانية عشر موضعا، بينها الرقبة والحوض، ودخلت في غيبوبة طويلة، كانت فيها الحياة على بعد نفس.
خرجت من غيبوبتها على واقع جديد، جسد مثقل بالجراح، وأخبار عن استحواذ نافذين على مقلعها الذي كانت قد حفرته بعرقها، وسقته من قوت أطفالها. وعوضا عن العرفان، وُوجهت بالتنكر، وصُودرت جهودها، وواجهت ما هو أقسى من الألم الجسدي، خذلان الحارس الذي عهدت إليه الأمانة، وخيانة بعض المحامين الذين ادعوا نصرتها ليخذلوها في صمت.
ورغم الجراح، ورغم الكلفة الصحية والمادية، قررت آمنة أن تعود لتسترد حقها، لا لتقاتل عن نفسها فقط، بل لتدافع عن كرامة كل من ساهم ذات يوم في بناء وطن خارج الهياكل الرسمية. وصلت إلى انواكشوط على كرسي متحرك، ومن هناك بدأت المعركة، بين المحاكم والمصحات، بين الإيمان بالحق وأنياب النفوذ.
ورغم أن ستة شهود فقط، من بينهم الحارس الذي استأمنته على ممتلكاتها، وقفوا ضدها خلال جلسة المعاينة، فإن الغالبية العظمى من المنقبين في "تنومر" شهدوا لها بصدق، وأكدوا أمام لجنة المعاينة أنها المالكة الأصلية للموقع، وأنهم رأوها تحفر فيه وتطمره وتؤويه منذ سنوات. شهاداتهم كانت إنصافا أخلاقيا، بل رجحت كفة الحق في نظر المحكمة، فاستندت إليها لإصدار أمر بوقف الاستغلال، في خطوة أعادت الأمل لامرأة نازعتها الأوجاع، لكنها لم تستسلم، ولم تفرط في حقها.
فأشرق العدل، وأصدرت المحكمة قرارا بوقف التنقيب، غير أن قوى النفوذ لا تستسلم بسهولة، فاستأنفوا القرار، ورغم إنكارهم السابق لصلتهم بالموقع، باتوا يطعنون في حكم وقعوه هم بأيديهم.
آمنة، اليوم، تقف في وجه الحيتان، وفي قلبها يقين لا يتزعزع بأن للحق ذاكرة لا تشيخ. ورغم صراعها مع الألم، وعناء السفر، وسنوات العذاب، فإنها لم تنس لحظة أن تذكر بالعرفان الموقف النبيل لرئيس الجمهورية، محمد ولد الغزواني، الذي تكفل بعلاجها منذ الوهلة الأولى، وخصها بعناية شخصية، وأرسل وفدًا طبيا عالي المستوى لمتابعة حالتها في تونس.
تقول آمنة بفخر، والدمعة في عينيها: "رئيس الجمهورية وحده من لم يتخل عني"، وتردد ذلك كأنها تغني نشيدا في زمن عز فيه النبلاء.
واليوم، يقف أهل ازويرات وافديرك وقفة شرف معها، في وقفات تضامن ومناصرة، لعلّ صوتها يبلغ قاعة المحكمة العليا، عل أحدهم يقرأ تفاصيل قصتها ويشعر بالخجل، أو يستعيد شيئا من الإنسانية.
فهل يُنصفها القضاء؟
أم ستُترك مرة أخرى لتواجه وحدها، خيانة الحارس، وخذلان المحامين، وفتك الصحراء؟
آمنة بنت بهيت، لم تهزم بعد.
فمن كانت خيمتها ملجأً للمظلومين، لا يليق بها إلا أن تنتصر.
سيد أحمد ولد بوبكر سيره