حين يستعار الموسم السياسي خارج أوانه

اثنين, 2025/09/29 - 11:13ص

في المشهد الانتخابي بمدينة ازويرات تتكرر صورة مألوفة، شخصيات وجماعات تسعى للظهور بمظهر القوة والزخم، فتقيم الولائم وتجمع الأهل والأقارب والوجهاء في صور وفيديوهات توحي بشعبية طاغية، سرعان ما تتبخر بانفضاض الجمع. هناك حيث تختلط الوجاهة بالتمثيل المسرحي، يتوهم المضيف أنه اكتسب وزنا سياسيا، فيصدق كذبته ويجعلها رسالة إلى الدولة، والدولة تدرك بحسها وقرون استشعارها أن الحقيقة أبعد من المظاهر.
تذكرت هذه المشاهد وأنا أتابع باندهاش ظهور الأمين العام لوزارة الإسكان في ازويرات، وهو يطل على سكان المدينة فجأة، لا ليفتتح مشروعا ولا ليشارك في موسم سياسي، وإنما لينظم مأدبتين فاخرتين، الأولى للمجموعات القبلية والجهوية، والثانية للمسؤولين المحليين. دعوات حيرت المتابعين أكثر مما أقنعتهم، وأظهرت من صاحبها صورة السياسي المقتحم لزمن ليس زمنه، يحاول انتزاع صفة الزعامة من أجواء صورية لا من رصيد ميداني أو تجربة انتخابية متجذرة.
والغريب أن لا موسم سياسي يبرر هذا الظهور. فالرجل وإن كان ابن شخصية قيادية وازنة ومحبوبة مثل الراحل محمودي، وشقيق السياسي والوزير الأسبق حسنه المعروف بدماثة خلقه وقدرته على ربط العلاقات، إلا أن المقارنة لا تصب في صالحه. فمن لم يقنع بني جلدته، كيف له أن يقنع الآخرين وسط تنافس محموم على "الكعكة" الانتخابية نفسها؟
أحداث الانتخابات الرئاسية الماضية ليست بعيدة، وقد شهدت ميلاد مبادرات سياسية من نفس الوسط، قادها سياسيون أكثر رسوخا كمبادرة الأخصائي في أمراض الأذن والأنف والحنجرة السياسي الدكتور لدور، التي استقطبت غالبية السكان المحليين المقيمين في ازويرات من نفس الوسط، ومبادرة نجل الضابط السابق سيد ولد الريحه التي امتدت من ازويرات إلى بير أم اكرين، لتبرهن على شعبية فعلية لا على صور مجملة.
أما الأمين العام، فلم يقدم للمدينة ما يرسخ حضوره غير منزل شخصي اكتمل تشييده للتو في "مسقط رأسه المفترض"، وكأن العمارة الخاصة تصلح لتعويض الفراغ السياسي، أو لتكون جسرا نحو منصب انتخابي أو وزاري ينازع به منافسيه. غير أن البيوت، مهما ارتفعت جدرانها، لا تشيد وحدها زعامة، ولا تمنح صاحبها مكانة انتخابية.
فهل أراد الرجل أن يبعث برسالة من خلال منصبه الإداري، ليحجز لنفسه مكانا على حساب منافسيه، أم أنه يتهيأ لمعركة انتخابية قادمة متكئا على مأدبة عشاء ومنزل جديد لا غير؟
إن كان الأمر كذلك، فإن الدولة ليست غافلة. فهي تميز جيدا بين الزخم الحقيقي والوهج المصطنع، وتعلم من له رصيد شعبي ومن لا يملك غير حشد عابر في قاعة أو حديقة. ثم إن من اللائق، بل من الضروري، أن يفسح المجال أمام المنافسين من أبناء الجلدة ليحصلوا على نصيبهم من التمثيل والمكاسب، فالمشهد السياسي لا يختزل في شخص واحد، ولا تصنع الزعامة بالولائم المؤقتة.
إن السياسة، كما الزرع، لها مواسمها، ومن يزرع في غير أوانه، لن يحصد إلا خيبة لا تشبع جوعا ولا تبني زعامة.
سيد أحمد ولد بوبكر سيره