
في السابع والعشرين من هذا الشهر، ستقول محكمة ولاية تيرس زمور كلمتها في قضية يتابعها الرأي العام باهتمام كبير، لما تحمله من أبعاد إنسانية تتجاوز تفاصيلها القانونية.
قضية كانت بطلتها امرأة عادية في ظاهرها، استثنائية في جوهرها، اسمها آمنة بنت بهيت.
وليس هذا المقال تدخلا في شأن ينظر فيه القضاء، بل تذكير بأن العدل، في جوهره، قيمة أخلاقية قبل أن يكون نصا قانونيا، وأن بعض القضايا تقاس بميزان الإنسانية لا بميزان الأوراق.
لقد ورثت هذه الأرض مثلا خالدا يقول:
"لعليات انعايل لكلاب، واعمايم لجواد"،
أي أن النساء لا يكرمهن إلا جواد، ولا يحتقرهن إلا من انحطت فطرته إلى درك لا تدركه المروءة.
فالجواد، في الموروث الموريتاني، يرفع المرأة إلى مقام العمامة فوق الرأس، رمزا للتوقير، لا موضعا للامتهان.
وحين يخيل إلى أحد أنه انتصر على امرأة فقدت جناحها وساقها، وأثخنتها الجراح في أكثر من موضع، فليعلم أن ما حققه ليس انتصارا، بل انحدارا.
فالنصر لا يكون على من كانت يوما خيمة عطاء، وملاذ محتاج، وصوت من لا صوت له.
النصر لا يبنى على وجع، ولا يحتفل به فوق جراح لم تلتئم.
آمنة بنت بهيت، التي عرفتها مناطق التنقيب في تيرس زمور وهي تنازع الصخور لتستخرج رزقها، لم تكن تنقب عن ذهب بقدر ما كانت تنقب عن معنى الكرامة.
سقطت ذات يوم، فمد لها الوطن يده، ممثلا في رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي تكفل بعلاجها ورعايتها، في موقف نبيل استعاد للإنسان معناه، وأثبت أن الشفقة الحقيقية لا تمنح صدقة، بل تجسد مسؤولية.
واليوم، وهي تنتظر كلمة القضاء، لا تحمل آمنة سلاحا سوى يقينها بأن الحق لا يغلب، وإن تعثر أحيانا في الطريق.
إنها تدرك أن من ظن أنه انتصر عليها، لم ينتصر في الحقيقة، لأن الانتصار على الضعف ليس بطولة، ولأن الكرامة لا تهزم حتى وإن انكسرت العظام.
ستقول المحكمة كلمتها، وسيقبلها الجميع بوقار،
لكن التاريخ قال كلمته من قبل،
إن المرأة التي وقفت على ساق واحدة لتدافع عن حقها أكثر ثباتا من كثيرين يقفون على أقدام سليمة، وقلوب عليلة.
سيد أحمد ولد بوبكر سيره