في منزل متواضع بحي التنزاه، على مرمى حجر من مقرّ محكمة ولاية تيرس زمور، تحول صمت الغرفة إلى مسرح لكلمة جريئة تهز أركان الظلم.
هناك جلست آمنة بنت بهيت، مستندة إلى وسائد خلف ظهرها على سرير قابل للتعديل، تتوسد الألم وتستند إلى الصبر، وخلفها وجوه من نساء حاضنتها الاجتماعية وأقاربها، فيما اتخذ الصحفيون والمدونون أماكنهم، وضبطوا كاميراتهم لتوثيق ما بدا أنه نداء إنساني في وجه القهر.
بصوت متعب لكنه مشحون بالعزيمة، بدأت حديثها قائلة:
"معكم المواطنة الكادحة، التي لم تعرف الاتكالية يوما، والتي منذ نعومة أظافرها وهي تعمل من أجل وطنها، داخل أرضه وخارجها. كل ما جمعته من استثمارات كان لخدمة وطنها."
ثم صمتت قليلا، كأنها تستجمع ما تبقى من أنفاسها، قبل أن تتابع:
"هذه المرأة الموريتانية التي أمامكم ذاقت الظلم وهي في أشد حالات الضعف، يوم كانت لا تستطيع حتى الوضوء إلا بمساعدة من شدة إصابتها بعد حادث أفقدها بعض أطرافها. وفي الوقت الذي كنت فيه طريحة فراش المرض في مستشفيات تونس، كان بعض رجال الأعمال يحيكون المؤامرات لنهب استثماراتي في مجال التنقيب."
توقفت لبرهة، وأخذت نفسا طويلا، ثم قالت بصوت ممزوج بالمرارة:
"لقد كنت من أوائل من طرقوا باب التنقيب عن الذهب، ولكنهم تواطؤوا على ظلمي، وأوهموا ولاية بأكملها أنني شريكتهم، وأنا لا علاقة لي بأي منهم. استغلوا غيابي وضعفي ليبنوا على باطل لا يقوم عليه حق."
وفيما كانت الدموع تتلألأ في عينيها، رفعت رأسها نحو الكاميرات، قائلة:
"رغم كل ما أصابني، لم أفكر بعقل امرأة تقاد بالعاطفة، بل بعقل وطني مخلص. لم أنتقم، ولم أُساوم، وقلت لأبناء حاضنتي الاجتماعية: نحن مواطنون مخلصون لهذه الدولة، نعيش في ولاية حدودية خطيرة أمنيا ومهمة اقتصاديا. ولن أكون أنا الباب الذي يمر منه المهربون أو العابثون بأمن الوطن. قلتها لرئيس الجمهورية وأنا على هذا السرير في بومديد، وكنتُ صادقة."
ثم تناولت أوراقا كانت إلى جانبها، ورفعتها أمام عدسات الصحفيين قائلة:
"هذه أحكام قضائية صادرة عن محكمة ولاية تيرس زمور، بالحجز على كميات من التربة والذهب تعود لشركة رضاك.
لكن التنفيذ لم يحصل، لأن النيابة العامة رفضت تنفيذ أوامر القضاء، متذرعة بأسباب غير قانونية."
وأضافت بنبرة تفيض بالألم والغضب:
"شركة تنتج مئات الكيلوغرامات من الذهب وتقول إنها بلا سجلات! إن لم تكن تملك سجلات، فماذا نسمي هذا؟ أليس تهربا ضريبيا وغسيلا للأموال؟!"
كانت آمنة تتحدث وكأنها تقاتل بالكلمة عن نفسها وعن عدالة تؤمن بها رغم عرجها.
ثم التفتت نحو الكاميرات وخاطبت رئيس الجمهورية بصدق ظاهر:
"سيادة الرئيس، لقد قلت لكم في لقائنا ببومديد إنكم لا تعلمون تفاصيل قضيتي، وصدقتكم لأنني لم أعرف عنكم إلا الصدق. لكنني اليوم أستغرب أنكم ما زلتم لا تعلمون بها، رغم أن الصحافة والمخابرات والصالونات تتحدث عنها. كيف يصلكم خبر شاب يبيع قنينة مسك، ولا يصلكم خبر مواطنة تظلم في وضح النهار؟"
ثم لوحت بيدها اليسرى التي لا تزال سليمة، تمسك فيها قرار الحجز الصادر من محكمة الاستئناف، وقالت:
"هذا هو القرار الثالث بالحجز، وكلها قرارات نافذة، لكن النيابة تمتنع عن التنفيذ، بينما تمنح الشركة الوقت لتصفية التربة واستخراج الذهب بعيدا عن أعين معادن، حتى لا تدفع الضرائب ولا تعرف الكميات الحقيقية."
وانتقدت بنت بهيت تدخل بعض النافذين، متهمة شقيق الرئيس المصطفى ولد الغزواني بممارسة ضغوط على القضاء والنيابة، قائلة:
"أحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن الحملة التي قادها ضدي انطلقت من إسبانيا، حيث لم يمنعه مرض ابنه عن متابعة ملفي والتأثير على المحاكم، في حين رفض بعض أقاربه مثل حدمين ولد الغزواني التدخل، وأحترم له هذا الموقف الشريف."
كما انتقدت تدخل وزير الخارجية الأسبق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قائلة:
"من الغريب أن يستطيع حل قضية أمنية معقدة في اليمن، ويعجز عن حل قضية عدل واضحة كقضيتي!"
وبين الدموع والكلمات، رفعت صوتها مجددا:
"أنا لا أطلب سوى الإنصاف. القضاء الجالس أنصفني، لكن القضاء الواقف ظلمني. وأقول للمدعي العام: تذكر أنك ستحاسب على هذا الظلم، فالموت قريب، والعدل لا يموت."
ومع ختام النقطة الصحفية، انضمّ وجهاء وأعيان من حاضنتها الاجتماعية إلى الحديث، موجهين نداءهم إلى رئيس الجمهورية بصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء، أن يتدخّل لإنصافها، معبّرين عن ألمهم لرؤية امرأةٍ في مثل حالتها تتنقّل بين المجاهر والمحاكم، وأكدوا أنهم لن يخذلوها ولن يتخلّوا عنها، بل سيكونون عَوْنًا وسندا في معركتها ضد الظلم والنفوذ.
ثم عادت آمنة تختم بنبرة مؤثرة تنزف وجعا وإيمانا:
"أنا نصف إنسانٍ جسدا، لكني كاملة الإيمان بالعدل. قد يتأخر الحق، لكنه لا يمحى. وأقول لكل من ظلمني: مكرتم، ومكر الله، والله خير الماكرين."
.gif)
(2).gif)


.gif)
