برحيل الأستاذ أحمد سالم ولد بوبوط الى دار البقاء تخسر موريتانيا عالما دستوريا من الطراز الفريد على المستوى الدولي؛ لم يكن بوبوط يحب الأضواء، ونادرا ما ظهر في الإعلام العمومي أو الخاص، فقد كان مزيجا من العالم الذي يحترم قيم وأخلاقيات البحث العلمي والخبير المختص الذي يأنف من المستنسخات الشائعة والأفكار الجاهزة.
رغم تواضعه الجم الذي عرف به لم يكن يقبل أن يتداول في المسائل القانونية الدقيقة مع عامة الناس، لا ترفعا وتكبرا وإنما حرصا على موضوعية الحقيقة وصرامة التفكير.
لم يكن يربانا (الاسم الخاص بالأهل والأصدقاء) يرى القانون مجرد إجراءات ومعايير شكلية صورية بل كان يمارس من خلاله التفكير العقلاني النقدي ويرى فيه مسلكا لفهم أوضاع المجتمع والتأثير فيه.
كان شديد الحرص على متابعة الأحداث السياسية الداخلية والخارجية باحثا فيها دوما عن ما يشحذ ذهنه القانوني الحاد، سواء تعلق الأمر بمستجدات الساحة الوطنية حيث يُستدعى دوما للاستشارة ويلجأ إليه لإخراج البلاد من المأزق بأدوات القانون، محبذا دوما مسلك الإجماع والوفاق الذي يرى فيه أرضية القانون الشرعية التي تتحاوز الشكليات الحرفية التي يتشبث بها عادة القانونيون، أو تعلق الحال بالساحة الخارجية كما كان أيام انتفاضات التغيير الثوري في العالم العربي التي تحمس لها وكتب حولها مقالة بديعة منشورة في إحدى كبريات المجلات المتخصصة.
حدثني رئيس الجامعة ووزير الخارجية الأسبق محمد الحسن ولد لبات أنه عندما عهد إليه الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع عام 1991 بتنسيق لحنة إعداد أول دستور ديمقراطي تعددي في تاريخ موريتانيا التي ضمت معه الأستاذين البارزين محمد محمود ولد محمد صالح ومحمد الأمين ولد داهي، استشار الرئيس ولد الطائع في عرض المسودة التي أعدتها اللجنة بصفة سرية على الأستاذ بوبوط باعتباره القانوني المختص في القانون الدستوري، فقبل ولد الطائع وكان لمشاركته وتزكيته للمسودة الدستورية أحسن الوقع في نجاح هذه المهمة التي لم يساهم فيها أي أجنبي.
وعندما حدث انقلاب 2005 كان بوبوط الخبير المعتمد في صياغة الإصلاحات الدستورية الهامة التي توصلت إليها النخبة السياسية مع المجلس العسكري الحاكم أوانها، كما كان دوره مماثلا في الإصلاحات الدستورية التالية.
ترك الأستاذ بوبوط آثارا علمية بارزة من أهمها كتابه المتميز الذي صدر عام 1987 بعنوان « إسهام المجلس الدستوري في القانون الإداري »، وهو في أصله أطروحته للدكتوراه، وقد قدم لها العالم القانوني الفرنسي الأشهر « جورج فيدل »، كما نشرت له مقالات علمية رصينة في أهم الدوريات المتخصصة بما فيها المجلة الفرنسية للقانون الدستوري.
كون الأستاذ بوبوط بعد تخرجه ونيله للتبريز جيلا كاملا من القانونيين الموريتانيين في جامعة نواكشوط؛ وكان حريصا على الرفع من مستوى طلبته ويحثهم على الاجتهاد والمثابرة وهي قيم سلوكية التزم بها وحافظ عليها طيلة حياته.
رحم الله يربانا وإنا لله وإنا إليه راجعون
الدكتور السيد ولد اباه، أستاذ الفلسفة والدراسات بجامعة نواكشوط الموريتانية