تعرفت لأول مرة على المهندس الهادي ولد اعلي ولد إبراهيم في شهر نفمبر من سنة 2003 حين كان يشغل منصب رئيس مصلحة الكهرباء في مصنع كلب الغين، ثم رئيس قطاع الإستغلال في نفس المصنع، ثم مديرا له. ليصبح في ما بعد مدير مقر الاستغلال بمدينة ازويرات، قبل أن يعين مؤخرا مديرا للدراسات والبحوث.
حين تعرفت عليه، كنت أنعش، سنويا، حفل عشاء غنائي كبير تنظمه شركة اسنيم مساء يوم الثالث من دجمبر من كل سنة احتفاء بالعيد الدولي للشغيلة المنجمية، بحضور كبار الشخصيات في الشركة والسلطات الإدارية والعسكرية ومدعوين من داخل وخارج الوطن أحيانا.
ورغم لقائنا في مثل هذه المناسبات المتكررة وغيرها من المناسبات التي تنظمها الشركة، لم تكن الصورة التي رسمتها مخيلتي عنه وردية، فقد وجدت في عدم مخالطته للعامة وصمته الدائم صورة سلبية، مع أن الوظائف التي تقلدها في ذلك الوقت كانت فنية بحتة لا علاقة لها بالوسط الذي لا يمت لعمل الشركة بصلة.
وفي ما بعد ، عين المهندس الهادي على رأس إدارة مقر الاستغلال بمدينة ازويرات : أكبر إدارات الشركة في مدينة ازويرات، والممثل الرسمي للإدارة العامة لاسنيم في المدينة المنجمية، وحلقة الوصل بين الشركة والعالم الخارجي المحيط بها في المدينة المنجمية، وما يعني ذلك من الحاجة إلى ربط علاقات مميزة مع مختلف الفاعلين.
كانت اسنيم، حينذاك، تعاني من وضعية صعبة بفعل حرائق متعددة تعرضت لها بعض آلياتها المنجمية العملاقة في ازويرات وورشها وحتى قطاراتها ومقاطع من سكتها الحديدية المحيطة بالمدينة ومولدين كهربائيين من محطتها الكهربائية، فضلا عن تسجيل حوادث متعددة فقد خلالها بعض العمال أرواحهم وتضرر آخرون. وهي الحوادث التي كلفت اسنيم خسائر بشرية ومادية معتبرة. وازداد مستوى التوتر بين بعض العمال ورؤسائهم في العمل ما تسبب في خلق مناخ اجتماعي مضطرب .
في هذا المناخ المتوتر إذن، عين المهندس الهادي على رأس إدارة الاستغلال، فعمل وفق مقاربة تقضي بفتح المجال واسعا أمام تلقي تظلمات العمال لتسويتها والحرص على أداء العمال لواجباتهم اليومية في العمل والحرص الشديد على المحافظة على وسائل ومقدرات الشركة.
ومن أجل تصحيح هذه الوضعية، عملت إدارته، بالتنسيق مع إدارة البيئة والسلامة، على تقليص الحوادث في الشركة بمدينة ازويرات. ونجحت الإدارتان في تقليصها لأدنى مستوى، ما غيّر تلك الصورة النمطية الخطيرة التي ارتسمت لشركة اسنيم في أذهان الرأي العام، رابطا في الوقت ذاته علاقات مميزة مع السلطات الإدارية والعسكرية والأمنية في المدينة وكذا المنتخبين المحليين والفاعلين، دون أن يكون له أي مبتغى غير خدمة الشركة من أجل تحسين صورتها محليا ووطنيا.
أدركتُ، خلال أول لقاء جمعني بالمهندس ونحن نتبادل أطراف الحديث، مستوى النضج الذي يتمتع به وحبه -حد العشق- مصلحة شركته لدرجة طغت على مصلحته الخاصة.
كلما جلست مع الرجل تتكشف لي أشياء جديدة منها، مثالاً لا حصرًا، جديته وعقلانيته وإخلاصه لعمله وتفانيه في البحث بكل السبل عن مصلحة شركته ومرونة علاقاته بالعمال من قاعدتهم إلى قمتهم، ما زاد إعجابي به أكثر فأكثر إلى أن تحولت علاقتنا من علاقة تعاون وعمل إلى علاقة إعجاب وأخوة حميمة.
حُوّل المهندس الهادي ولد اعلي ولد ابراهيم وأنا في مهمة خارج الوطن، فعين على رأس إدارة أخرى لا تقل أهمية هي إدارة الدراسات والبحوث، لكن مقرها يوجد في نواذيبو، وبالتالي غادر ازويرات دون أن يحصل بيننا ما يستحقه علي من وداع وتثمين لعلاقات جد طيبة ربطتنا ردحا من الزمن، مع يقيني التام أنه سيخدم شركته من هذا المنصب الجديد، تماما كما خدمها من قبل في منصبه السابق، بل و في جميع المناصب التي شغلها خلال مشواره الوظيفي الناجح. إنه يقين خفف قليلا حرقة عدم الوداع، فعندما تتأكد أن أخًا لك غادر وهو يحمل معه نفس الزاد من الجدية والإخلاص والكفاءة، تكون سعيدا حتى ولو غابت مراسيم الوداع التي تترك، عادة، أثرا حزينا في النفس.
ومجمل القول أن مدينة ازويرات قد فقدت، بتحويله، أحد الكفاءات النادرة التي يعول عليها في عملية الإصلاح. فله نرجو التوفيق في مهمته الجديدة، ولازويرات نرجو الازدهار والتألق كي تظل المدينة التي تعكس طابعا عماليا فريدا في الوطن.