في محيط المسجد الفسيح وقببه الخضراء ومناراته الشاهقة في سماء العلم والتصوف، يقطن رجل عظيم؛ رجل نذر نفسه لخدمة العلم والعلماء.. شيخٌ جعل من قريته «صنار» قبلة لطلاب العلم ومنهلا عذبا للمريدين والباحثين عن التصوف السمح.
على مشارف مدينة سان ليوس السنغالية؛ تقع قرية «صنار»؛ذلك المكان الطيب الذي جعل منه الشيخ الحاج صمب جاي، محط رحال العلماء والشرفاء والضعاف والمساكين؛ كل يحظى في تلك البلدة بالتبجيل والترحيب والتقدير.
يخصص الشيخ صمب جاي جل وقته في المطالعة داخل واحدة من أكبر المكتبات العربية الإسلامية في بيته الخاص؛ شيخ صاحب همة عالية لم تشغله حاجات المريدين وتدبير شؤونهم وإصلاح حالهم عن المطالعة والبحث والتحقيق.
جليلة هي أعمال الشيخ صمب جاي، لكن أعظم إنجاز حققه هو نسخه للقرآن الكريم بخط يده؛ إنه فتح عظيم لم يسبقه له سابق في بلاد السنغال؛ ذات العلماء الكثر.
النسخة التي خطها بيده حصلت على شهادة دولية من معهد الأزهر الشريف في مصر؛ وكان يوم عرضه لها يوما مشهودا حضره محافظ سان لويس ورؤساء لمجالس بلديات، وعدد كبير من العلماء والمشايخ والقراء.
بدأ الشيخ صمب جاي عمله الشريف هذا في المدينة المنورة، قبل أن ينهيه في صنار؛ إنها أول مرة يعيد فيها أفريقي كتابة كلام الله تعالى مع احترام الخط العثماني بدقة.
والنسخة الشريفة التي خطها الشيخ هي بالضبط على منوال النسخة التي استوردتها أفريقيا السوداء من مكة والمغرب العربي.. لقد خلَّد للسنغال مجدا عظيما وخلق لها فرصة جليلة، ستمكنها من توزيع القرآن الكريم في جميع أنحاء العالم.
وخدم الشيخ صمب جاي العلوم العربية والإسلامية لمدة 40 عامًا؛ شارك خلالها في نشر كتابات كبار العلماء ورجال التصوف.
جعل الشيخ من قريته صنار مدينة إسلامية؛ محاظر للقرآن في كل مكان وعباد يملؤن المسجد الفسيح.. إنها التربية الصوفية المستندة على ركن متين من العلم والأخلاق والتواضع.
ليست صنار وحدها التي حظيت بأيادي الشيخ البيضاء، بل هناك قرى ومدنا أخرى لقيت ذات الاهتمام وفازت بمحاظر علم وفقه وزوايا تصوف.. كل ذلك من همة الشيخ العالية.
إلى جانب كل هذا يمتلك الشيخ صمب جاي خُلقا رفيعا وجانبا لينا، مكنه من خلق علاقات قوية بأهل الفضل والعلم والصلاح؛ في جميع أنحاء العالم، وعرف لهم حقهم وأنزلهم منازلهم، فكان المكرم المضياف والحافظ الراعي للعهود.
بنى الشيخ في أربعين عاما، وهي قصيرة جدا في حركية التاريخ، مجدا أثيلا وعزا خالدا لصنار وسان لويس وللسنغال وأفريقيا والعالم الإسلامي بأسره..
يكفي الشيخ الحاج صمب جاي أن يقال ذات يوم : «ذاك أول أفريقي يخط القرآن الكريم بيده».
الصحفي سيدي محمد شماد